لقد جمعت بلا علم ولا أدب
تيه الملوك وأخلاق المجانين
فلذا حقت عليها كلمة الله فدمرها تدميرا، وقامت على أثرها الدولة «الأيوبية»، ولها على الإسلام اليد البيضاء؛ لأنها حفظت كيانه، وصانت بيضته، وردت غارات الصليبيين عن دياره، وقد كانت أوروبا تألبت وتمالأت عليه، بينما كان أهلوه متقطعين متدابرين متخاذلين. ثم دال أمر الأيوبيين وأعقبتهم دولة المماليك، فجاء مصر رجلان أحدهما تلو الآخر، وقد أثبت الثاني كما أثبت الأول أنه البقية الباقية من سلالة بني العباس، فقلد المماليك أولهما الخلافة اسما؛ أي كما كانت لأجداده في بغداد، وأرسلوه في جيش جرار لاستردادها فهلك.
وأما الثاني فتقلد بمصر هذه الخلافة الاسمية الوهمية، وبقيت الأحكام كلها في أيدي السلاطين من المماليك، حتى كان الفتح العثماني في أيام السلطان سليم الأول، فبايعه الخليفة العباسي المصري الذي كان في ذلك الوقت، وتنازل له عن الخلافة طوعا أو كرها.
ثم مات أو قتل بعد ذلك بقليل؛ فانحصرت الخلافة في آل عثمان، وهم عمدها وعقادو ألويتها إلى الآن، أدام الله دولتهم، وخلد شوكتهم، ورفع كلمتهم، وأيد خلافتهم، إنه سميع مجيب.
نرجع الآن إلى الأمة العربية الأصلية، ونقول إن شبه جزيرة العرب التي صدرت عنها هذه الحركة العجيبة قد رجعت منذ أجيال إلى حالتها السابقة من البداوة والخمول، حتى ظهر فيها «محمد» بن عبد الوهاب، فحاول إرجاعها إلى نشأتها الأولى ومجدها الداثر، وبث تعاليمه التي ذهب إلى أنها تعيد إلى الإسلام شبابه وفخاره، فاتبعه خلق كثير، ولكنهم دفعوا إلى ارتكاب كثير من المحارم؛ فتجرد لهم محمد علي والي مصر، وجرد عليهم «سيف الله في الأعصار المتأخرة»، وهو ابنه البطل المغوار، والفارس الكرار إبراهيم باشا، فأباد سطوتهم، وقضى على آمالهم، ولكنهم لا يزالون كثيري العدد في تلك الأقطار.
هذه الأمة العربية التي نشرت لغتها الواسعة، وفنونها الرائعة، وآدابها الجليلة، ومعارفها الغزيرة، في قسم عظيم من آسيا وأفريقيا وبعض أوروبا، وابتكرت علوم «الجبر والمقابلة»، والكيمياء «الكاذبة والصادقة»، واخترعت أرقام الحساب والصفر، وكانت لها اليد الطولى في علم «التنجيم والنجوم»، وغير ذلك من المعارف التي أخذتها عنها أوروبا.
هذه الأمة قد أصبحت اليوم بحيث تكاد ألا يكون لها شان في الوجود، بل ولا يأتي ذكرها إلا بما ترتكبه من السلب والنهب فيما بينها، والسطو على القوافل والتجار التي تسير في أرضها، فسبحان محول الأحوال!
أحمد زكي
المحاضرة الثانية: أحوال البلاد العربية قبيل ظهور الإسلام
Unknown page