108

Ḥadāʾiq al-azāhir fī mustaḥsan al-ajwiba waʾl-muḍḥikāt waʾl-ḥikam waʾl-amthāl waʾl-ḥikāyāt waʾl-nawādir

حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر

لولا كرامتكم لما عاتبتكم ... ولكنتم عندي كبعض الناس
ثم غنت فيه لحنًا، وغنته إياه، واصطلحا.
وعن إسحاق الموصلي قال: غضب الفضل بن الربيع على جارية له، كانت أحب الناس إليه، وتأخرت عن استرضائه، فوجه إلي يعلمني بذلك، ويشكوها إلي، فكتبت إليه: لك العز والشرف، ولأعدائك الذل والتلف، استعمل قول العباس بن الأحنف:
تحمل عظيم الذنب ممن تحبه ... وإن كنت مظلومًا فقل: أنا ظالم
فإنك إن لم تغفر الذنب في الهوى ... تفارق من تهوى، وأنفك راغم
ففعل ذلك فاصطلحا، ووصلني بجائزة.
وغضب الرشيد مرة على زبيدة أم جعفر وترضاها، فأبت أن ترضى، وأرق ليلة وقال: افرشوا لي على دجلة ففعلوا، وقعد ينظر إلى الماء، فسمع غناء في هذا الشعر:
جرى السيل، فاستبكاني السيل إذا جرى ... وفاضت له من مقلتي غروب
وما ذاك إلا أن تيقنت أنه ... يمر بواد أنت منه قريب
يكون أجاجًا دونكم، فإذا انتهى ... إليكم، تلقى طيبكم فطيب
فيا ساكني أكناف دجلة، كلكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
فسأل عن الناحية التي فيها الغناء وعن المغني، فإذا هو الزبير بن دحمان، فسأله عن الشعر، فقال: هو للعباس بن الأحنف يا أمير المؤمنين، فأمر بإحضاره، واستنشده، وجعل الزبير يغنيه، والعباس ينشده حتى أصبح، ودخل إلى أم جعفر، فسألت عن دخوله إليها فعرفت، فوجهت إلى العباس بألف دينار، وإلى الزبير بخمسمائة دينار.
وكان لمخارق من الكلف بجارية أم جعفر بهار ما لا غاية بعده، وعلمت بذلك أم جعفر، فشق على مخارق علم أم جعفر بحبه، فاستعمل الجفاء بينه وبينها؛ إجلالًا لأم جعفر، وطمعًا للسلو عنها، فبينما هو منصرف ليلة من الليالي من دار المأمون، وأم جعفر مشرفة على دجلة، فلما حاذى دارها رفع عقيرته، فتغنى بشعر العباس بن الأحنف:
إن تمنعوني ممري قرب داركم ... فسوف أنظر من بعد إلى الدار
لا يقدرون على منعي وإن جهدوا ... إذا مررت فتسليمي بإضماري
سيما الهوى عرفت، حتى شهرت بها ... إني محب، وما بالحب من عار
فسمعته أم جعفر، وأمرت خدمها، وصاحوا بالملاح: قدم، فقدم الزورق حتى حاذى باب الدار، ونزل مخارق، وطلع إلى أم جعفر، ودعت له بكرسي، وكأس فيه نبيذ، فشرب وخلعت عليه وأجازته، وقالت لجواريها: اضربن عليه، فكان أول ما غنى به قول العباس بن الأحنف:
أغيب عنك بود، لا يغيره ... نأي المحل، ولا صرف من الزمن
فإن أعش، فلعل الدهر يجمعنا ... وإن أمت، فقتيل الهم والحزن
قد حسن الله في عيني ما صنعت ... حتى أرى حسنًا، ما ليس بالحسن
فاندفعت بهار تغني جواب ما غنى به مخارق فقالت:
تعتل بالشغل عنا ما تكلمنا ... والشغل للقلب ليس الشغل للبدن
فضحكت أم جعفر وقالت: ما سمعت بألطف من مخاطبتكما، خذها مخارق، وقد وهبتها لك فحملها مخارق من وقته إلى داره.
ويروى أن أبا نواس والعباس بن الأحنف والحسين الخليع، وصريع الغواني خرجوا إلى متنزه لهم، ومعهم رجل يقال له: يحيى بن المعلي، فحضرت الصلاة فقدموه يصلي بهم، فنسي: (الحمد)، وقرأ: (قل هو الله أحد) وأرتج عليه في نصفها فقال أبو نواس:
أكثر يحيى غلطًا ... في قل هو الله أحد
وقال العباس بن الأحنف:
ونسي الحمد، وما ... مرت له على خلد
وقال صريع الغواني:
قام طويلًا راكعًا ... حتى إذا أعيا سجد
وقال الحسين الخليع:
كأنما لسانه ... شد بحبل من مسد
وقال أبو العتاهية: سبقني أبو نواس إلى ثلاثة أبيات، وددت أني سبقته إليها بكل ما قلت من الشعر، منها قوله:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ... له عن عدو في ثياب صديق
وقوله:
فإن يك باق إفك فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بلف خصيب
وقوله:
يا كثير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر
ولله دره، ما أكثر إنصافه.
وقال أبو عمر الشيباني: دخلت على المأمون، فقال لي: يا أبا عمر، من أشعر الناس؟ قلت: يا أمير المؤمنين، اختلف العلماء في ذلك، وهم القدوة، ونحن المقتدون، وقد قالوا: أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب، قال المأمون: من الذي يقول:

1 / 108