Ḥadāʾiq al-azāhir fī mustaḥsan al-ajwiba waʾl-muḍḥikāt waʾl-ḥikam waʾl-amthāl waʾl-ḥikāyāt waʾl-nawādir
حدائق الأزاهر في مستحسن الأجوبة والمضحكات والحكم والأمثال والحكايات والنوادر
وأحق خلق الله بالهم امرؤ ... ذو همة يبلى برزق ضيق
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب، وطيب عيش الأحمق
ولربما عرضت لنفسي فكرة ... فأود منها أنني لم أخلق
فقلت: تالله، لا قلت شعرًا بعدها.
وقيل للمنصور: إن أبا دلامة لا يحضر الصلاة، وأنه معتكف على الخمر، وقد أفسد فتيان العسكر، فلو أمرته بالصلاة معك لأصلحته وغيره، فلما دخل عليه قال أبو دلامة الماجن، قال: يا أمير المؤمنين، ما لنا والمجون؟ فقال: دعني من اشتكائك وتضرعك، وإياك أن تفوتك صلاة الظهر والعصر في مسجدي، فإن فاتتك لأحسنن أدبك، ولأطيلن حبسك، فوقع في أمر عظيم، فلزم المسجد أيامًا، ثم كتب رقعة، ودفعها إلى المهدي، فأوصلها إلى أبيه، وفيها:
ألم تعلما أن الخليفة لزني ... بمسجده والقصر، ما لي وللقصر؟
أصلي بها الأولى جميعًا وعصرها ... فويلي من الأولى، وويلي من العصر
أصليهما بالكره من غير مسجدي ... فما لي في الأولى، وفي العصر، من أجر
يكلفني من بعد ما شبت توبة ... يحط بها عني الثقيل من الوزر
ووالله، ما لي نية في صلاتها ... ولا البر والإحسان والخير من أمري
لقد كان في قومي مساجد جمعة ... ولم ينشرح يومًا لغشيانها صدري
وما ضره، والله يغفر ذنبه ... لو أن ذنوب العالمين على ظهري
فقال: صدق، وما يضرني ذلك، والله، لا يصلح هذا أبدًا، دعوه يفعل ما يشاء.
وحكى إسحاق الموصلي قال: دخلت على الرشيد، وهو مستلق على قفاه، وهو يقول: أحسن والله، فتى قريش وظريفها وشاعرها، قلت: فيم يا أمير المؤمنين؟ قال في قوله:
لا أسأل الله تغييرًا لما فعلت ... نامت، وقد أسهرت عيني عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها ... والليل أقصر شيء حين ألقاها
ثم قال: أتعرفه؟ قلت بصوت ضعيف: لا، فقال: بحقي عليك؟ فقلت: نعم، هو الوليد بن يزيد، قال: استر ما سمعت مني، وإنه ليستحق أكثر مما وصفته به.
ولما بنى المأمون على بوران، وأراد غشيانها حاضت، فقالت: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)، فنام في فراش آخر، فلما أصبح دخل عليه أفاضل ندمائه يهنئونه، ويدعون له، فأنشدهم بديهًا:
فارس في الحرب منغمس ... عارف بالطعن في الظلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بدم
وجاء رجل إلى خياط؛ ليصنع له قميصًا، فقال: والله، لأفصلنه لك تفصيلًا لا يدرى أقميص هو أم قباء، ففعل ذلك، قال صاحب الثوب: أنا - والله، لأدعون، لك دعاء لا يدرى أهو لك أم عليك، وكان الخياط أعور يسمى بشرًا فقال:
خاط لي بشر قباء ... ليت عينيه سواء
وروي أن المنصور أنشده أبو دلامة ما أعجب به، فكساه طيلسانًا، وأمر له بمال، وعاهده ألا يشرب الخمر، فحلف له، وخرج إلى بني داود بن علي، فضحكوا به، وقص عليهم الخبر، فسقوه حتى أسكروه وأخرجوه، فأعلم المنصور الخبر، فأرسل فيه، وأمر المنصور بسجنه، وتمزيق ساجه، وألا يمكن من قرطاس ولا مداد، ففعل به الرسول ذلك، فانتبه في جوف الليل، فنادى جاريته، فقال له السجان: أطعنه في كبدك؟ فقال له: ويلك، من أنت؟ وأين أنا؟ فقال: سل نفسك، أين كنت عشاء أمس؟ فاستحلفه من أنت؟ فقال: أنا السجان، بعث بك أمير المؤمنين، وأنت سكران، فأمرني أن أحبسك مع الدجاج، فقال له: أحب أن تسرج لي سراجًا، وتأتيني بدواة وقرطاس، ولك عندي صلة، فقال له: أما السراج فنعم، وأما القرطاس والدواة فما أمرت أن أمكنك منهما، فلما أتاه بالسراج وجد ساجه ممزقًا، متلطخًا بأزبال الدجاج، ورأى نفسه جالسًا بينها، فقال له: ادع لي أبو دلامة، فدعاه، فأمره أن يجيد حلق رأسه، وأن يأتيه بفحمة، فتب على رأس ابنه:
أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها لهب السراج
تهش لها القلوب، وتشتهيها ... إذا برزت ترقرق في الزجاج
أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأني بعض عمال الخراج
ولو معهم حبست، لكان خيرًا ... ولكني حبست مع الدجاج
أمير المؤمنين، فدتك نفسي ... ففيم حبستني وخرقت ساجي
على أني، وإن لاقيت شرا، ... لخيرك بعد ذاك الشر راج
1 / 106