Guidelines for the Best Way to Make Friends
دلائل التوفيق لأصح طريق لجمع الصديق
Genres
ملخص البحث
فهذا بحث بعنوان: " دَلَائِلُ التَّوْفِيقِ لِأَصَحِ طَرِيقٍ لِجَمْعِ الصِّدِّيِقِ"، وهو الجمع الثاني للقرآن الكريم الذي نهض له وقام به وتعاهده الخليفة الراشد أبو بكر الصِّديق بمشورة الفاروق عمر بن الخطاب وتكليف زيد بن ثابت الأنصاري بمهمة رئاسة لجنة الجمع، كما تم الجمع- كذلك- بمشاركة الصحابة ﵃ أجمعين، وكان ذلك سنة اثنتي عشرة للهجرة.
فقام الصِّديق ﵁ وجَمَعَ فيه القرآنَ بين دفتي لوح واحد بعد أن كان مفرقًا في عهد الجمع النبوي الأول، وكان ذلك إثر مقتل سبعين من القراء في موقعة اليمامة، والتي خُشِيَ من إثراها ذهاب القرآن بذهاب حملته.
وهذا البحث قد جمعه الباحث ورغب في تقديمه في صورة مختصرة تجمع بين التأصيل العلمي، وبين التحقيق والتدقيق، ولا سيما في بعض المسائل التي وقع فيها خلاف بين بعض أهل العلم، وبعض المسائل والقضايا التي كثر تناولها وتداولها دون تثبت حتى أضحت من المسلمات البديهيات، كما اعتنى الباحث بسلاسة الأسلوب وسهولة العبارة وجزالة الألفاظ وحسن وجمال العرض، ليدنيه من نظر طالبيه، ويقربه ويسهل تناوله لراغبيه، راجيًا أن يتقبله الله من عبده الضعيف بقبول حسنٍ ويُنَمِّيه.
67 / 97
المقدمة
الْحَمْدُ لِلَّهِ والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
وبعد:
فإن القرآن الكريم، كلام رب العالمين، ووحيه المبين، الذي أنزل الله على خاتم النبين والمرسلين نبينا محمد خير خلقه أجمعين ﷺ، قد عظَّمه اللهُ أيِّمَا تعظيم، وأجلَّه أيِّمَا إجلال، فوَصَفه بأحسن الصفات، ونعته بأجلِّ وأعظم النعوت، وسماه أجمل الأسماء، وهو سبحانه المبتدئ بتعظيمه وتوقيره وإجلاله، وقد حفظه سبحانه عنده في مكان مصون لا يقربه إلا الملائكة الأطهار، فقال في وصفه سبحانه: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (البروج: ٢١ - ٢٢)، ثم جَمَعَ وَصْفَهُ ومكانه المصون فيه، وَصِفَةَ الملائكة الذين لا يمسه سواهم، وَصِفَةَ منزله سبحانه في قوله جل في علاه: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: ٧٧، ٨٠).
ولعظم قدر كلام ربنا فقد اصطفى سبحانه صفوة ملائكته من أهل السماء لينزل به في أعظم وأشرف بقعةِ من المعمورة، على صفوة خلقه من أهل الأرض، في سيدة الليالي من سيد الشهور.
فقد اصطفى من الملائكة أكرمَهم وأصفاهم لتنزيله فقال سبحان في وصف الملك الكريم الذي نزل بالقرآن: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء: ١٩٣)، ثم اصطفى أطهر القلوب ليكون محل تنزل كلامه فيسكنه فؤاده لِيَعِيِهِ، ويحفظه له فيه، فيقوم بحقه في نفسه وفي بلاغه لأمته عن ربه ليرضيه، فقال سبحانه عن ذلك المحل الذي أنزله عليه وأودعه فيه: (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (الشعراء: ١٩٤)، وقال سبحانه في ذلك أيضًا: (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: ٩٧).
وكان ذلك في أعظم ليلة والتي وصفها ربنا بأنها ليلة مباركة فقال سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: ٣)، وتلك الليلة هي ليلة القدر التي قال سبحانه فيها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: ١ - ٣)، وكان ذلك في أفضل شهر كما قال ربنا: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة: ١٨٥)
وجعل بداية ونهاية تنزله في مكة المكرمة عند بيته العتيق الذي قال سبحانه فيه: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران: ٩٦)، وجعل مختتم نزوله وتوديع وحيه المنزل في حجة الوداع في شهر حرام
67 / 98
بجوار بيته الحرام، قال سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: ٣).
وعلى هذا الإجلال والتعظيم والتبجيل لكلام رب العالمين رَبَّى النبيُ الكريم أصحابَه ﵃، فأحبوا كلام الله وقاموا به في محاربيهم يتلونه زرفانًا ووحدانًا، وعمَّروا به أوقاتهم وتمسكوا بهداه فأحلُّوا حلاله وحرَّموا حرامه وجعلوه مِلْءَ قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وتداوا به من العلل الحسية والمعنوية، وتحاكموا إليه في كل شؤون حياتهم.
وقد انتقل النبيُ ﷺ إلى الرفيق الأعلى والقرآن لم يجمع في مكان واحد، ولمَّا آلت الخلافة إلى الصِّدِيِق الأول ﵁ وقتل في عهده سبعون من القراء في حرب المرتدين في وقعة اليمامة، وَخُشِيَ ذهاب القرآن بذهاب حملته فهبَّ ﵁ ومعهم جموع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين للقيام بأعظم عمل من الأعمال التي عرفها تاريخنا المجيد، فجمع القرآن بين دفتي مصحف واحد.
وهذا البحث هو نقل مشهد حِسِّي واقعي لهذا العمل العظيم الذي قام به صِّدِيقُ الأمة الأول وعاونه عليه هؤلاء الأعلام الكبار من السابقين الأولين للإسلام من طليعة هذه الأمة رضوان الله عليهم أجمعين.
خطة البحث
وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من أربعة فصول، وكل فصل مكون من عدة مباحث، وقد بيَّن فيه ما يلي:
أولًا: أهمية موضوع البحث
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
خامسًا: منهجية البحث
سادسًا: خاتمة البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة.
سابعًا: مجموع الفهارس:
وخطة البحث تشتمل على أربعة فصول على النحو التالي:
الفصل الأول
بواعث جمع أبي بكر وأسبابه ودواعيه
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: بداية فكرة الجمع في عهد أبي بكر الصديق-﵁
المبحث الثاني: موقف الصحابة من جمع أبي بكر للقرآن
المبحث الثالث: أهم بواعث جمع أبي بكر-﵁
الفصل الثاني
خصائصه ومزاياه
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: أبرز مزايا هذا الجمع
المبحث الثاني: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي
المبحث الثالث: عرض الأقوال الواردة في ترتيب السور مع الترجيح بينها
المبحث الرابع: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره
الفصل الثالث
بيان شروط جمع أبي بكر- ﵁ والصفة التي تم بها
وفيه سبعة مباحث:
67 / 99
المبحث الأول: التعريف بـ " زيد بن ثابت " المكلف بالجمع
المبحث الثاني: أبرز المقومات الداعية لاختيار " زيد "
المبحث الثالث: أسباب اختيار " زيد " لهذه المهمة إجمالًا
المبحث الرابع: الدواعي لهذا الجمع
المبحث الخامس: مميزات جمع أبي بكر- ﵁
المبحث السادس: منهج أبي بكر الذي وضعه لـ " زيد " في جمع وتدوين القرآن الكريم
المبحث السابع: مصير صحف أبي بكر- ﵁
الفصل الرابع
تاريخ وزمن هذا الجمع وأبرز نتائجه
وفيه مبحثان
المبحث الأول: أبرز نتائج جمع أبي بكر- ﵁
المبحث الثاني: أوّل من سمى القرآن بالمصحف
منهجية البحث
أولًا: أهمية موضوع البحث
إذا كان شرف العلم من شرف المعلوم، فإن موضوع البحث متعلق بأشرف وأعظم وأجل كتاب "القرآن الكريم" هذا على العموم، وعلى الخصوص فإنه متعلق بقضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ﵁، تلك القضية التي أقلقت مضاجع صفوة الرعيل الأول من جيل الصحابة وهم حماة الدين وورثة علم النبوة وهم خيرة هذه الأمة، فقاموا بحق كتاب ربهم حق قيام ونهضوا لجمعه كما كان في عهده الأول سليمًا من الزيادة والنقصان، سليمًا من التغير والتبديل، وكان جمعهم للقرآن موافقًا للجمع الأول تمامًا، ولكنهم جمعوه في مكان واحد بعد أن كان مفرقًا بين العُسُبِ واللِّخَافِ وغيرها، كما جمعوه من المحفوظ في صُدُورِ الرِّجَالِ كذلك.
والقرآن الكريم قد تكفَّل الله تعالى في بحفظه في كل أطواره تنزله، والشواهد على ذلك من كتاب الله كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
١ - قال سبحانه في عموم حفظه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩) أي من أن يُزاد فيه أو يُنقص، وهذا قول عموم أئمة التفسير، ولا يُعلم له مخالف.
٢ - ومن ذلك أيضًا قوله سبحانه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) (فصلت: ٤٢) والباطل: إبليس، لا يستطيع أن ينقص منه حقًا، ولا يزيد فيه باطلًا. (^١).
٣ - ومن ذلك أيضًا قوله سبحانه: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (الكهف: ٢٧) وقوله: (لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) أي: لا مغير لها، ولا محرِّف، ولا مؤوّل. (^٢)، والشواهد العامة على ذلك في كتاب الله تعالى أكثر من أن تُحصى.
والقرآن قد حفظه الله تعالى في كل أطواره تنزله، فأثبته الله تعالى وحفظه في اللوح المحفوظ في السماء قبل نزوله، وحفظه في طريق نزوله إلى الأرض، وحفظه بعد نزوله كذلك إلى الأرض على رسوله ﷺ، وسيبقى كذلك إلى أن يُرْفَعَ في آخر
_________
(^١) - تفسير الطبري: (٢١/ ٤٧٩). جامع البيان في تأويل القرآن، المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ٣١٠ هـ) المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م عدد الأجزاء: ٢٤
(^٢) تفسير ابن كثير: (٥/ ١٥١). تفسير القرآن العظيم، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ) المحقق: محمد حسين شمس الدين الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت الطبعة: الأولى - ١٤١٩ هـ
67 / 100
الزمان.
أولًا: حفظ القرآن الكريم في السماء:
والقرآن الكريم قبل نزوله محفوظ في اللوح المحفوظ في السماء كما قال ربنا: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ (البروج: ٢١، ٢٢). فهو في اللوح المحفوظ، مصون مستور عن الأعين، لا يطلع عليه إلاّ الملائكة المقربون، ولا يمسه في السماء إلاّ الملائكة الأطهار، ولا يصل إليه شيطان، ولا يُنال منه. (^١)
وقد جعله الله تعالى كتابًا معظمًا في كتاب معظم محفوظ موقر (^٢)، وقد أقسم الله تعالى على ذلك في كتابه فقال سبحانه: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الواقعة: ٧٥، ٨٠).
ثانيًا: حفظ القرآن الكريم في طريق نزوله إلى الأرض
فالذي نزل به ملك منزه مطهر أمين على وحي الله كما قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥).
فلا يستطيع شيطان الاقتراب من السماء لاستراق السمع طمعًا في الاطلاع على أخبار السماء وقت نزوله كما قال ربنا: ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ. إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ (الصافات: ٧ - ١٠)، والشياطين لمَّا حاولوا ذلك ما استطاعوا لأن السماء قد حفظت بحراسة مشددة من الملائكة وبالشهب الحارقة، وقد وصف الله تعالى محاولة فئة من الجنِّ ذلك في سورة "الجنِّ" في قوله سبحانه: ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدَا. وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدَا﴾ (الجن: ٨ - ١٠)
ثالثًا: حفظ القرآن الكريم بعد نزوله على الأرض على النبي ﷺ.
لقد حفظ الله ﷿ القرآن الكريم كذلك بعد أن أنزله على رسوله ﷺ والذي قام بحقه خير قيام في حفظه وبلاغه عن ربه، وكان ﷺ من شدة حرصه على حفظه وتلقيه يحرص على التعجل بتلقيه من فِي جبريل ﵇، فقال له ربه: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: ١١٤)، ثم وعده الله تعالى بحفظه له في صدره، فطمأنه ربه بتحقيق وعده فقال له سبحانه: ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: ١٦ - ١٩).
فكان ﷺ يحرك به لسانه ويتعجل ويبادر بأخذه من فِي جبريل محرِّكًا به شفتيه حين قراءة الملك للقرآن يَخْشى أن يَتَفَلَّتَ منه، فوعده الله أن يجمعه له في
_________
(^١) الضوء المنير، لابن القيم: (٥: ٥٨٧).
(^٢) - تفسير ابن كثير: (٤/ ٥٣٧). بتصرف يسير.
67 / 101
صدره ويُبيَّنه له على لسانه، ثم يقرأه على الناس من غير أن ينسى منه شيئًا.
وهكذا يتبين لنا أن الله تعالى قد حفظ القرآن الكريم وهو في السماء، وحفظه وقت نزوله منها، وحفظه بعد نزوله إلى الأرض.
ولقد مر جمع القرآن بثلاث مراحل، وكان جمعه في مراحله جميعًا محفوظًا في الصدور مكتوبًا في السطور.
أما المرحلة الأولى: فكانت في عهد النبي ﷺ، وقد حرص ﷺ على حفظ القرآن الكريم، وقد جمعه الله له في صدره، كما اعتنى ﷺ بتعليمه أصحابه ورغبهم في حفظه واستظهاره واتَّخَذَ من صفوة حفَّاظهم كتّابًا للوحي يكتبون كلّ ما ينزل عليه بين يديه، وانتقل النَّبيُ ﷺ إلى الرفيق الأعلى ولم يُجمع القرآنُ كله في مكان واحد في حياته لا في صحف ولا في مصاحف، بل كُتب مفرقًا بين الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ ونحوها من أدوات الكتابة المستخدمة في هذا العهد المبارك، وكان حرصه ﷺ على عدم جمع القرآن بين دفتي صحيفة واحدة ترقبًا لتجدد الوحي وتتابع نزول شيء جديد منه حتى وفاته، فلو أنه رتبه أولًا بأول وجمع القرآن في مكان واحد بين دفتي مصحف واحد لحصل من جراء ذلك من المشقة والعنت ما لا يخطر ببال، ولأدى هذا الترتيب إلى حدوث تغيير وتبديل في موضع السور والآيات كلما نزل عليه ﷺ شيء جديد من الوحي، وفي هذا مالا يخفى من المشقة البالغة التي جاءت الشريعة الغراء برفعها ودفعها.
وأما المرحلة الثانية: فكانت في عهد أبي بكر الصديق ﵁،
ولقد ظل القرآن الكريم مفرقًا غير مجموع بين دفتي مصحف واحد، إلى أن آلت الخلافة إلى أبي بكر، وقامت حروب الردة، واستحرّ القتل بالقراء في وقعة اليمامة - سنة اثنتي عشرة للهجرة - التي قتل فيها سبعون قارئًا من حفاظ القرآن. فهالَ ذلك الأمر عمر بن الخطاب، وخشي أن يضيع شيء من القرآن بموت حفاظه وقرائه، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن خشية ضياع شيء منه بقتل القراء والحفَّاظ، فكان هذا هو الدافع الرئيس لهذا الجمع، فقام الصديق بجمع ما كُتب مفرقًا في بين يدي رسول الله ﷺ من الرِّقَاع، وَالأَكْتَافِ، وَالْعُسُبِ، واللخاف، والأضلاع، والأقتاب، والأَلواحِ في مكان واحد، فكان جَمْعُهُ ﵁ هو نفس ما كتب في عهد النبوة مرتب الآيات والسور، لكنَّه جَمَعَهُ في مكان واحد بعد أن كان مفرقًا.
وأما المرحلة الثالثة: فكانت في عهد عثمان بن عفان ﵁.
ولقد اختلفت أسباب الجمع في عهده عن أسباب الجمع في عهد الصدِّيق-﵄؛ ولقد كان الصحابة يقرؤون القرآن على الأحرف السبعة التي أقرأهم عليها رسول الله ﷺ، إلى أن وقع الاختلاف بين القراء في الفتوحات زمن عثمان ﵁، ولمّا عظم الخطب أفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في
67 / 102
الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فتدارك عثمانُ الأمرَ قبل تفاقمه.
ويكتفي الباحث - هنا- ببيان هذه المرحلة بإيجاز بما رواه البخاري عن أنس بن مالك ﵁: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القُرْآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم (يعني ابتداءً)، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمانُ الصحفَ إلى حفصة، وأرسل إلى كل أُفُق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القُرْآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. (^١)
ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها
لم يقف الباحث في حدود بحثه الضيق على بحث متأصل تناول جمع الصديق ﵁ ببحث علمي مستقل، ولكن جاء تناوله ضمن جمع القرآن في مراحله الثلاث في عدد من البحوث العلمية، ومن أبرزها ما يلي:
الدراسة الأولى: جمع القران في مراحله التاريخية من العصر النبوي إلى العصر الحديث، تأليف: محمد شرعي أبو زيد، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة الكويت، سنة النشر: ١٤١٩ هـ.
وصف البحث:
هذا البحث يُبرِز عناية المسلمين بحفظ القرآن من عهد النبوة إلى الآن، ويُؤكِّد أن نقل القرآن حظِيَ بأقصى درجات العناية من المسلمين، ويرُدُّ على شبهات الطاعِنِين من أعداء الإسلام على نقل القرآن الكريم، ولجودة البحث وحسن صياغته وجودة عرضه وسبك أسلوبه وقوة حجته قد أفاد منه الكثير من الباحثين ونهلوا منه.
الدراسة الثانية: جمع القرآن (دراسة تحليلية لمروياته)، أصل الكتاب رسالة علمية، بكلية العلوم الإسلامية - جامعة بغداد، أشرف عليها الدكتور عمر محمود حسين السامرائي، ومؤلفها الباحث: أكرم عبد خليفة حمد الدليمي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة: الأولى، ١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م، عدد الأجزاء: ١.
وصف الكتاب:
وهو عبارة عن أطروحة علمية، قدمها الباحث لكلية العلوم الإسلامية، ولم يحدد المرحلة التي نال شهادتها بهذا البحث. وقد قسم الباحث هذا البحث إلى
_________
(^١) - البخاري حديث (٤٩).
67 / 103
مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
وقد تناول بحثه في أربعة فصول، فتناول كتابة القرآن في عهوده الثلاثة، كل مرحلة في فصل مستقل، وقد تابع فيها كثيرًا ممن سبقه، ثم تناول فيه شبهات حول القرآن في الفصل الرابع.
والباحث في هذا البحث تراه ممسكًا من علمين بطرف، هما: علوم القرآن والحديث. لكنه أقرب إلى الحديث ودراسة الأسانيد منه إلى علوم القرآن. وقد جاءت دراسة أسانيده والحكم عليها وتخريجها مختصرة جدًا. وهذا يلحظه المتتبع لتلك المرويات.
وقد بذل الباحث وفقه الله جهد مشكورًا وطرق موضوعًا رائعًا جديرًا بالبحث حاول أعداء الدين التسلل من خلاله للنيل من كتاب الله ومحاولة التشكيك فيه، وقد وفق في عرض شبههم والجواب عنها بأجوبة قريبة يستوعبها كل من يطلع عليها. (^١)
الدراسة الثالثة: جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، عبد القيوم بن عبد الغفور السندي، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة النبوية، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٢١ هـ، عدد المجلدات: ١.
وصف الكتاب:
لقد تناول الباحث الجمع في عهديه الثاني والثالث، ولم يتعرض للجمع في العهد النبوي مع أهميته ومكانته لأن بحثه جاء ضمن محاور ندوة خاصة عقدها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة بعنوان: عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، ولكون بحثه هو أحد محاور الندوة ..
وقد اشتمل بحثه على ثلاثة مباحث في مجلد واحد في حدود ٧٢ صفحة، وقد تناول في المبحث الأول: جمع أبي بكر ﵁، ثم تناول في المبحث الثاني: جمع عثمان ﵁، وأما المبحث الثالث فلم يسمه، وقد تناوله في مطلبين، أما المطلب الأول فتناول فيه الفروق المميزة بين الجمعين، وأما المطلب الثاني فقد تناول فيه الأحرف السبعة ومراعاتها في الجمعين.
وكان على الباحث مراعاة جوانب هامة والانتباه لها، ومن أبرزها ما يلي:
١ - التقدمة للجمع في العهد النبوي ولو في التمهيد لأنه الأساس الذي بنيت عليه مراحل الجمع كلها، ولارتباط الجمع في عهديه التاليين به ارتباطًا وثيقًا، غير أنه أشار إليه إشارة سريعة في سطرين فحسب.
٢ - الانتبهاه لما ذهب إليه أبو عمر الداني في"الأرجوزة المنبهة"إلى أن جبريل ﵇ كان يعارض النبي ﷺ كل عام بواحد من الحروف السبعة، حيث يقول:
وكان يعرض على جبريل … في كل عام جملة التنزيل
فكان يقريه في كل عرضة … بواحد من الحروف السبعة
حتى إذا كان بقرب الحين … عرضه عليه مرتين (^٢)
وهذا التفصيل لا يصح وهو محل نظر عند أهل التحقيق وقد قال به غير
_________
(^١) يُنظر: تقرير عن كتاب (جمع القرآن: دراسة تحليلية لمروياته) للدكتور أكرم الدليمي، ملتقى أهل التفسير، عبدالله الحربي، بتاريخ: ٤/ ١١/ ٢٠٠٨ م. بتصرف يسير.
(^٢) -الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الداني، البيت رقم: (٧٠ - ٧٢)، (ص: ٨٧).
الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات، عثمان بن سعيد الداني أبو عمرو الأندلسي (٣٧١ - ٤٤٤ هـ)، تحقيق: محمد بن مجقان الجزائري، الطبعة الأولى عن دار المغني- الرياض- هـ ١٤٢٠ - ١٩٩٩ م، عدد المجلدات: ١
67 / 104
واحد من أهل العلم غير الداني. وإذا تأملنا في زمن الاستزادة من الأحرف السبعة تحقق لدينا أن ذلك كان في المدينة قبيل وفاة النبي ﷺ بقرابة عام أو عامين اثنين، وقصة عمر وهشام بن حكيم في اختلاف قراءتيهما في سورة الفرقان خير شاهد، وذلك لأن هشامًا من مسلمة الفتح، وأن ذلك كان قُبيل انتقال النبي ﷺ للرفيق الأعلى بعامين على الأكثر، وكذلك ما وقع لأبي بن كعب مع ابن مسعود في سورة النحل.
فكيف كان يعرض عليه جبريل في كل عام بحرف من الأحرف السبعة! وهي لم تنزل بعد! وهذا خلف من القول من عَلَمٍ كأبي عمرو الداني، ولكن جل من لا يسهو.
٣ - الانتباه لكثرة النقول في البحث والتي غيبت وجود قلم الباحث في كثير من مواطن البحث.
وهناك بعض ملاحظات أخرى غير جوهرية، وهذه الملحوظات وغيرها لا تقل من قيمة البحث العلمية ولا من جهدالباحث الذي قد أجاد وأفاد فجزاه الله خيرًا.
الدراسة الرابعة: مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه عرض ونقد، د. أبو بكر كافي، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة النبوية، نسخة منشورة (بي دي إف)
وصف الكتاب:
في هذا البحث الماتع يستعرض لنا الباحث -أبو بكر كافي- المواقف المشهورة عن كبار المستشرقين من مسألة جمع القرآن الكريم وتدوينه وترتيبه والمراحل التي مر بها، حيث أثار كثير من المستشرقين شبهات ومزاعم باطلة حول هذه المسألة، وفي هذا الكتاب يعرض لنا المؤلف هذه المزاعم والشبهات كما أنه يحلل لنا دوافعها وأهدافها ويتعقبها بالنقد والرد ليدحضها بشكل علمي وموضوعي مبينًا كم الأغاليط الموجودة فيها.
الدراسة الخامسة: جمع القرآن الكريم حفظا وكتابة، أ. د. علي بن سليمان العبيد، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة النبوية، الطبعة: الأولى، سنة النشر: ١٤٢١ هـ، عدد المجلدات: ١.
وصف الكتاب:
لقد تناول الباحث الجمع في عهوده الثلاثة باختصار شديد في قرابة: ٧٣ صفحة، وقد تبع من سبقه، وقد جاء بحثه متميزًا بسهولة الأسلوب ووضوح العبارة، فجزى الله الباحث خيرًا، ولكنه لم يضف إلى بحثه جديد بحث.
الدراسة السادسة: جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي، عدد الصفحات: ٤٢، مصدر الكتاب: موقع الإسلام.
وصف البحث:
هو بحث مختصر للغاية، غير أن صاحبه له رسوخ في تقديم مادة علمية مؤصلة وإن كانت موجزة.
67 / 105
ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث
يُعد تقريب علوم القرآن بأسلوب علمي سهل المأخذ قريب التناول من الأسباب الرئيسة الدافعة لاختيار موضوع البحث، إضافة إلى أن جمع القرآن في عهوده الثلاثة ما يزال يحتاج إلى تقريب وتحقيق وتدقيق في بعض مسائله وتجليتها للعيان، وإلقاء الضوء على ما نقله جيلٌ عن جيلٍ بصورة صحيحة مع التنبيه على مالم تثبت صحته من آثار تتعلق بموضوع البحث، وقد اختار الباحث تناول جمع الصديق بالبحث والدراسة لأنه لم يقف في حدود بحثه على دراسة خاصة بهذا الجمع، كما رغب الباحثُ إبرازَ جانبِ العناية التامة والتحري والدقة التي لاقها جمع القرآن في عهد الصديق وأجمعت عليه الأمةُ سلفًا وخلفًا على صحته ودقته وسلامته.
رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه
هناك إشكالات تتعلق بموضوع البحث من أبرزها ما يلي:
١ - لماذا لم يُجمع القرآن في عهد النبوة في مكان واحد؟
٢ - هل اختلف جمع الصديق عن الجمع في عهد النبوة؟
٣ - هل جمع القرآن في مكان واحد يُعد من الابتداع في الدين؟
٤ - هل اشتمل جمع الصديق ﵁ على الأحرف السبعة؟
٥ - هل كان ترتيب الآيات في السور بتوقيف من النبي ﷺ أم كان باجتهاد من الصحابة ﵃.
وكان من أبرز أهداف البحث إبراز هذه الإشكالات الواردة وحلها بإلقاء الضوء عليها وتناولها بالبحث والدراسة والتحقيق والتدقيق.
خامسًا: منهجية البحث
لقد سلك الباحث في تناول بحثه أكثر من منهج بحثي ومن أبرز ذلك ما يلي:
١ - المنهج الاستقرائي التحليلي
٢ - المنهج النقدي
٣ - المنهج التاريخي
ففي الفصل الأول: استقرأ الباحثُ بواعث جمع أبي بكر وأسبابه ودواعيه، وربط العلاقة التي بينه وبين الجمع الأول في العهد النبوي.
وفي الفصل الثاني: عرض الباحثُ خصائصَ هذا الجمع ومزاياه عرضًا تحليليًا باستقراء تلك المزايًا التي ميزة هذا الجمع، ثم تعرَّض لترتيب الآيات في السور، فعرض الأقوال الواردة فيها ثم قام بالترجيح بينها، ثم استقرأ بعد ذلك بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبين مصدره وعرض ذلك كله عرضًا تحليليًا، ثم نقده ونقضه.
67 / 106
وأما الفصل الثالث: فتعرض الباحثُ فيه لبيان شروط هذا الجمع والصفة التي تم بها، ثم عَرَّفَ بـ " زيد " المكلف بالجمع، ثم استقرأ المقومات الداعية لاختياره، ثم عرض مميزات هذا الجمع والمنهج الذي وُضِعَ فيه لجمع وتدوين القرآن الكريم عرضًا تحليليًا، ثم بين في خاتمته مصير صحف أبي بكر- ﵁.
وأما الفصل الرابع: فذكر فيه تاريخ هذا الجمع وأنه كان في زمن خلافة الصديق ﵁، وحدد فترة استغراقه، ثم عرض عرضًا تحليليًا استنتاجيًا لأبرز نتائج هذا الجمع، ثم ختم ببيان أوّل من سمى القرآن بالمصحف، وهو في كل مرحلة من مراحل البحث يقوم بعرض المادة العلمية ويحلل أجزاءها ثم يعرض الأقوال الوارد ويقوم بدراستها دراسة تحليلية نقدية.
الفصل الأول
بواعث جمع أبي بكر وأسبابه ودواعيه
وفيه ثلاثة مباحث:
بعد موت النبي-ﷺ وقبل دفنه بُيع أبو بكر الصديق-﵁-بالخلافة وكانت مدة خلافته سنتين وبضعة أشهر، وذلك من عام (١١ هـ - ١٣ هـ)، وكانت وفاته في شهر جمادى الآخرة سنة ١٣ هـ.
المبحث الأول: بداية فكرة الجمع في عهد أبي بكر الصديق-﵁-
لقد كانت بداية فكرة جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر- ﵁ في أواسط خلافته: سنة ١٢ من الهجرة.
وذلك "حينما ارتدت العرب واستشرى القتل بالمسلمين وخاصة يوم اليمامة وقد استحر بقراء القرآن، جاء إليه عمر وقال له: إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القراءة والقرآن وإني أرى أن تجمع القرآن؛ وظل يراجع أبا بكر حتى شرح الله صدره لذلك؛ فكان أول من جمع القرآن". (^١)
وإنما كان ذلك بعد أن بُيع أبو بكر الصديق- ﵁ وآلة الخلافة إليه بتلك البيعة، بعدها ارتدت أحياء من العرب ومنعوا الزكاة، وقد وقع هذا الأمر الجلل بعد وفاة النبي ﷺ حينما ارتدَّت العرب عن الإسلام قيل إلا ثلاثة مساجد كما نقل ابن إسحاق، ألا وهي: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا الذي يصلي فيه بنو عبد القيس.
وذكر القاضي عياض أن أهل الردة في ذلك الوقت على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: صنف كفر بعد إسلامه وعاد لجاهليته، واتبع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وصدَّق بهما.
والصنف الثاني: صنف أقر بالإسلام إلا الزكاة فجحدها.
والصنف الثالث: صنف أقر بوجوبها لكنه امتنع عن دفعها لأبي بكر-﵁ وقالوا: إن ذلك خاص بالنبي ﷺ لقوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
_________
(^١) الإتقان: (١/ ١٦٤)، الإتقان في علوم القرآن المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١ هـ) المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة: ١٣٩٤ هـ/ ١٩٧٤ م عدد الأجزاء: ٤، ويُنظر: الوجيز في فضائل الكتاب العزيز: (ص: ١٦٣).
67 / 107
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ (التوبة: ١٠٣).
فرأى أبو بكر والصحابة- ﵃ قتالهم جميعهم، الصنفان الأولان لكفرهم والثالث لامتناعهم، والامتناع مع الإقرار يختلف حكمًا من الامتناع مع الجحود ولا شك في ذلك أبدًا.
وقد ذكر أبو العباس القرطبي (٦٥٦ ت: هـ) في "المفهم"﵀:
أن الصنف الثالث هم الذين أُشْكِلَ أمْرُهُم على عمر وراجع فيهم أبا بكر حتى ظهر الحق. ولا يعتبرون كفارًا وإنما بغاة. (^١)
وهذا التقسيم الذي ذكره أبو العباس القرطبي قد ذهب إليه جمع من أئمة الإسلام، منهم الإمام الشافعي (ت: ٢٤٠ هـ) حيث يقول- ﵀: -- بنحوه- في "الأم"
"وأهل الردة بعد رسول الله ﷺ ضربان: منهم قوم كفروا بعد الإسلام، مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات".
ثم أشار إلى أن أبا بكر وعمر- ﵄ كانا مجمعين على إن الصنف الثاني ليسوا كفارًا.
فيقول بعد أن ذكر ما دار بينهما من حوار:
" … معرفتهما معًا بأن ممَّن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان". (^٢)
وممَّن قرر هذا التقسيم أيضًا الخطابيُّ (ت: ٣٨٨ هـ) حيث يقول ﵀ في "معالم السنن"-:
"الذين يلزمهم اسم الردة من العرب كانوا صنفين: صنفًا منهم ارتدَّ عن الدين، ونابذ الملة، وعاودوا الكفر، وهم الذين عناهم أبو هريرة- ﵁ بقوله: (وكفر من كفر من العرب)، وهم أصحاب مسيلمة الكذاب، ومن سلك مذهبهم في إنكار نبوة محمد ﷺ، وصنفًا آخر: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي". (^٣)
وممَّن قرر هذا التقسيم كذلك ابن حزم الأندلسي (ت: ٤٥٦ هـ) في محض كلامه عن أصناف المرتدين حيث يقول-﵀ في "المحلى":
" … والقسم الثاني: قوم أسلموا، ولم يكفروا بعد إسلامهم، ولكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر ﵁ فعلى هذا قوتلوا". (^٤)
وقد قرر هذا التقسيم أيضًا جمع من العلماء الأعلام، منهم:
أبو عمر ابن عبد البرـ وابن المنذر، والماوردي صاحب التفسير، والقاضي عياض، وابن العربي المالكي، والبغوي، والنووي، وابن حجر، وغيرهم كثير. (^٥)
وكذلك هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) ﵀، ولقد كان له بعض الأقوال والتقريرات التي يبدو ويظهر منها أنه يرى أن الصحابة- ﵃ كانوا يفرّقون بين أصناف المرتدين، فيجعلون بعضهم كفارًا، كالمرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، وبعضهم مسلمين بغاة لهم سائر أحكام أهل القبلة كما ذكر ذلك أبو العباس القرطبي في المفهم والنووي في شرحه لمسلم، ومن تلك الأقوال والتقريرات: أنه جعل قتال مانعي الزكاة من جنس قتال أهل القبلة، فقال- ﵀:
"والعلماء لهم في قتال من يستحق القتال من أهل القبلة طريقان: منهم من يرى قتالًا علي يوم حروراء ويوم الجمل وصفين كله من باب قتال أهل البغي، وكذلك يجعل قتال أبي بكر لمانعي الزكاة،
_________
(^١) يُنظر: شرح النووي لمسلم حديث (٢٢، ٢٠) ويُنظر: المفهم للقرطبي حديث (١٨، ١٧) باب يقاتل الناس إلى أن يوحِّدوا الله ويلتزموا شرائع دينه.
(^٢) الأم، للشافعي: (٩/ ٢٠٤).
(^٣) أعلام السنن، الخطابي (١/ ٧٤١).
(^٤) المحلى، ابن حزم (١١/ ١٩٣).
(^٥) - يُنظر: الاستذكار، ابن عبد البر (٩/ ٢٦٦)، والإشراف على مذاهب أهل السنة، ابن المنذر (٣/ ٢٥٤)، والحاوي، الماوردي (١٣/ ٢١١)، وشرح السنة، البغوي (٥/ ٤٨٩)، شرح السنة المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: ٥١٦ هـ) تحقيق: شعيب الأرناؤوط-محمد زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - دمشق، بيروت الطبعة: الثانية، ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م عدد الأجزاء: ١٥، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض (١/ ٢٤٣)، وعارضة الأحوذي، ابن العربي (١٠/ ٧٣)، وشرح صحيح مسلم، النووي (٢/ ٢٠٢)، وفتح الباري، ابن حجر (١٢/ ٢٧٦)، وإكمال إكمال المعلم، الأُبي (١/ ١٧٣)، وغيرها كثير.
67 / 108
وكذلك قتال سائر من قوتل من المنتسبين إلى القبلة، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومن وافقهم من أصحاب أحمد وغيرهم". (^١)
كتاب أبي بكر- ﵁ إلى المرتدين:
ومما يُستأنس به ها هنا أيضًا وبه نختم هذا المبحث الهام: كتاب أبي بكر- ﵁ إلى المرتدين، فقد كتب إليهم كتابًا طويلًا حوى أمورًا شتى ومتنوعة في مضمونها وفحواها، وممَّا ورد في كتابه إليهم قوله- ﵁:
بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ إلى من بلغه كتابي هذا، من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه (^٢).
فهذا يدلُّ على إن بعض أهل الردة بقي على إسلامه ولم يخرج عنه، وكلامه قد وجهه إلى فئتين اثنتين، فيُؤخذ ويُفهم ويُستدلُّ منه على أن الذي ارتد عن الإسلام من الفئتين إنما هي فئة واحدة منهما لا الفئتين.
والشاهد الأول مما سبق ذكره:
أن الصديق الأول- ﵁ قام مقام الجبال الرواسي الشامخات ليرد الأمة إلى دينها فحارب وقاتل المرتدين بشجاعة وثبات ورباطة جأش، فالموقف جد عصيب فقد ارتدت جموع غفيرة وأحياء كثيرة من العرب وقد عارضه في ذلك أول الأمر أقرب المقربين ومع هذا كله فقد ثبت ﵁ ثبات الجبال الرواسي واستطاع بعد عون الله وتوفيقه أن يُعيد الأمة إلى رشدها، وأن يعيد للإسلام صولته وقوته ومكانته، فكان- ﵁ للإسلام يوم الردة، كما كان الإمام أحمد للإسلام كذلك يوم المحنة.
ولنتأمل ما رواه البخاري- ﵀ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لأَبِي بَكْرٍ- ﵄: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلهَ إِلاَّ الله. فَمَنْ قَالَ: لَا إِلهَ إِلاَّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللّهِ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ-﵁: فَوَ الله مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللهَ ﷿ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ. فَعَرفتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (^٣)
ولقد كلف الصديقُ-﵁ للقيام بهذه المهمة وهذا العمل العظيم -زيد بن ثابت الأنصاري-﵁، ولنتأمل خبر تلك الواقعة العظيمة التي قيد الله لها الخليفتين الراشدين الجليلين صاحبي خير الخلق وحبيب الحق محمد- ﷺ ولندع المجال للإمام البخاري ﵀ ليقص لنا الخبر على لسان من كُلِفَ بهذه المهمة الهامة الشاقة بنفسه ألا وهو الصحابي الجليل زيد بن ثابت الأنصاري- ﵁ حيث يقول:
" أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ، قالَ أبو بَكْرٍ ﵁: إنَّ عُمَرَ أتَانِي فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بقُرَّاءِ القُرْآنِ، وإنِّي
_________
(^١) - يُنظر: مجموع الفتاوى: (٢٨/ ٥١٥). مجموع الفتاوى المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: ٧٢٨ هـ) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية عام النشر: ١٤١٦ هـ/ ١٩٩٥ م
(^٢) - يُنظر: نص الكتاب: كتاب الردة، الواقدي (٧١)، وتاريخ الطبري (٣/ ٢٥٠).
(^٣) أخرجه البخاري في "كتاب الزكاة" "باب وجوب الزكاة" حديث (١٣٩٩)، وأخرجه مسلم حديث (٢٠)، وأخرجه أبو داود في "كتاب الزكاة" حديث (١٥٥٦ و١٥٥٧)، وأخرجه الترمذي في "كتاب الإيمان" "باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" حديث (٢٦٠٧)، وأخرجه النسائي في "كتاب الزكاة" "باب مانع الزكاة" حديث (٢٤٤٢).
67 / 109
أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ بالمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وإنِّي أرَى أنْ تَأْمُرَ بجمع القرآن، قُلتُ لِعُمَرَ: كيفَ تَفْعَلُ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ؟ قالَ عُمَرُ: هذا واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لذلكَ، ورَأَيْتُ في ذلكَ الذي رَأَى عُمَرُ، قالَ زَيْدٌ: قالَ أبو بَكْرٍ: إنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُكَ، وقدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسولِ اللَّهِ- ﷺ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَ اللَّهِ لو كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ ما كانَ أثْقَلَ عَلَيَّ ممَّا أمَرَنِي به مِنْ جمع القرآن، قُلتُ: كيفَ تَفْعَلُونَ شيئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ؟، قالَ: هو واللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أبو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ له صَدْرَ أبِي بَكْرٍ وعُمَرَ- ﵄، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ واللِّخَافِ، وصُدُورِ الرِّجَالِ، حتَّى وجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مع أبِي خُزَيْمَةَ الأنْصَارِيِّ لَمْ أجِدْهَا مع أحَدٍ غيرِهِ، ﴿لقَدْ جَاءَكُمْ رَسولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عَنِتُّمْ﴾ [التوبة: ١٢٨ - ١٢٩] حتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أبِي بَكْرٍ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بنْتِ عُمَرَ ﵂". (^١)
المبحث الثاني: موقف الصحابة من جمع أبي بكر للقرآن
الصحابة- ﵃ يدركون تمام الإدراك ويتيقنون كمال اليقين في أن الله تعالى وعده لا يتخلف أبدًا، وقد وعد سبحانه بحفظ كتابه من التغيير والتبديل ومن أن يزاد فيه أو يُنقص منه بقوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: ٩) وهم يدركون كذلك أن سنن الله الكونية لها من الأسباب ما يقوم بها، ويدركون من خلال تلك السنن أيضًا أن هذا الدين لا يقوم بذاته بل لابد أن يكون له أنصار وأعوان من البشر يحملوا على عواتقهم هم نصرته وحمل رسالته والذب عن حياضه، ولهذا قاموا- ﵃ بواجبهم تجاهه ببذل الأسباب لحفظ كتاب ربهم من الذهاب والضياع، وهذا من قوة إيمانهم بالله ورسوله، ومن سعة علمهم بدين ربهم، وفهمهم لشرعته ومنهاجه، ومن إدراكهم لعظم الأمانة التي في أعناقهم، ولضخامة المسؤولية الملقاة على عواتقهم.
هل يُعد جمع أبي بكر- ﵁ للقرآن من البدعة المحدثة في الدين؟
مفهوم البدعة في اللغة:
لنعلم أولًا أن البدعة في اللغة: مأخوذة من البَدْع، وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١١٧].
أي مخترعها على غير مثال سابق، قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٩]. أي: ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدمني كثير من الرسل.
ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدأ طريقة لم يسبق إليها.
والابتداع على قسمين:
القسم الأول: ابتداع في العادات
كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح؛ لأن الأصل في العادات الإباحة.
والقسم الثاني: ابتداع في الدين:
وهذا مُحرَّم؛ لأن
_________
(^١) - البخاري، التفسير: ٤٣١١، فضائل القرآن: ٤٦٠٣، الأحكام: ٦٦٥٤، الترمذي، التفسير: ٣٠٢٨، أحمد، مسند العشرة: ٧٢، جمال القراء: ١/ ٨٦، ويُنظر: تخريجه مستوفىً في كتاب المصاحف لابن أبي داود: ١/ ١٦٩ - ١٧٩، كتاب المصاحف المؤلف: أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (المتوفى: ٣١٦ هـ)، المحقق: محمد بن عبده الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م عدد الأجزاء: ١، ويُنظر: المقنع لأبي الداني: ٢ - ٣. المقنع في رسم مصاحف الأمصار المؤلف: عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المتوفى: ٤٤٤ هـ)، المحقق: محمد الصادق قمحاوي الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة عدد الأجزاء: ١
67 / 110
الأصل فيه التوقيف، قال ﷺ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد". (^١). (^٢)
البدعة في المفهوم الاصطلاحي:
والبدعة في المفهوم الاصطلاحي كما عرفها الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ) ﵀ في الاعتصام هي:
" طريقة في الدين مخترعة، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية". (^٣)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) -﵀:
" البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله- ﷺ، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب". (^٤)
وإذا علمنا أن البدعة هي أمر محدث ومخترع في الدين يُضاهي الشرعية وهي ما لم يشرعه الله ورسوله- ﷺ يُقصد به التعبد والتقرب إلى الله، على غير مثال سابق، وقد علمنا كذلك أن القرآن قد سبق وأَنْ جُمِعَ في صدور الرجال، وقد جُمِعَ كذلك في ألواحٍ عندهم، فاجتمع له جمعان: جمع في الصدور، وجمع في السطور.
لذا فلا يُعد جمعه في مكان واحد من الأمور المحدثة في الدين، وإن جمع أبي بكر-﵁ لم يكن من ذلك أبدًا، بدليل إجماع الصحابة- رضوان الله عليهم- على استحسانه، بل والمشارك فيه كذلك، وأن كل ما في الأمر أنه جمعٌ لما كتب مفرقًا في الجمع النبوي الأول فحسب.
قال الحافظ (ت: ٨٥٢ هـ) في الفتح:
"وقد تسول لبعض الروافض أنه يتوجه الاعتراض على أبي بكر بما فعله من في المصحف فقال: كيف جاز أن يفعل شيئًا لم يفعله الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام؟
والجواب: أنه لم يفعل ذلك إلاّ بطريق الاجتهاد السائغ الناشئ عن النصح منه لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وقد كان النبي- ﷺ أَذِنَ في كتابة القرآن، ونهى أن يكتب معه غيره، فلم يأمر أبو بكر إلاّ بكتابة ما كان مكتوبًا.
ثم قال: وإذا تأمل المنصف ما فعله أبو بكر من ذلك جزم بأنه يعد من فضائله، وينوه بعظيم منقبته لثبوت قوله- ﷺ " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها " (^٥) (^٦) فما أحدٌ بعده إلاّ وكان له مثل أجره إلى يوم القيامة". (^٧)
وإن أبرز ما قيل في موافقة الصحابة-﵃-لهذا الجمع قول علي بن أبي طالب-﵁: …
"أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمعه بين اللوحين. (^٨)
وقد ذكر الباقلاني (ت: ٤٠٢ هـ) ﵀ وجوهًا في فعل أبي بكر من أجودها خمسة:
الأول: أن رسول الله-ﷺ ترك ذلك مصلحة، وفعله أبو بكر للحاجة.
_________
(^١) أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨).
(^٢) يُنظر: موسوعة توحيد رب العبيد، للشيخ الفوزان: (١/ ١٧٦). بتصرف يسير.
(^٣) - الاعتصام (ص ٢٨).
(^٤) مجموعة الفتاوى: (٤/ ١٠٧ - ١٠٨).
(^٥) - مسلم الزكاة (١٠١٧)، الترمذي العلم (٢٦٧٥)، النسائي الزكاة (٢٥٥٤)، ابن ماجه المقدمة (٢٠٣)، أحمد (٤/ ٣٥٩)، الدارمي المقدمة (٥١٤).
(^٦) - الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة. صحيح مسلم ج ٢ - ص ٧٠٥.
(^٧) - فتح الباري ج ٩ - ص ١٠. فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر: دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز عدد الأجزاء: ١٣
(^٨) -أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن: (ص: ١٥٥)، وابن أبي داود في كتاب المصاحف (ص: ٥)، وأورده ابن كثير وقال عنه: إسناده صحيح، تفسير القرآن العظيم (فضائل القرآن)
(١/ ٢٥). ويُنظر: أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقص والتحريف: (ص: ٤٥ - ٤٧)، و: (ص: ٩٤).
67 / 111
الثاني: أن الله أخبر أنه في الصحف الأولى، وأنه عند محمد ﷺ في مثلها بقوله: (يتلوا صحفًا مطهرة فيها كتب قيمة) (البينة: ٢ - ٣)؛ فهذا اقتداء بالله وبرسوله.
الثالث: أنهم قصدوا بذلك تحقيق قول الله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر: ٩)؛ فقد كان عنده محفوظًا، وأخبرنا أن يحفظه بعد نزوله، ومن حِفظِه تيسير الصحابة- ﵃ لجمعه-، واتفاقهم على تقييده وضبطه.
الرابع: أن النبي-ﷺ كان يكتُبه كَتَبَتُهُ بإملائه إياه عليهم، وهل يخفى على متصور معنى صحيحًا في قلبه أن ذلك كان تنبيهًا على كتبه وضبطه بالتقييد في الصحف، ولو كان ما ضمنه الله من حفظه لا عمل للأمة فيه لم يكتبه رسول الله-ﷺ-بعد إخبار الله له بضمان حفظه، ولكن علم أن حفظه من الله بحفظنا وتيسيره ذلك لنا وتعليمه لكتابته وضبطه في الصحف بيننا.
الخامس: أنه ثبت: " أن النبي-ﷺ نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو " (^١)؛ وهذا تنبيه على أنه بين الأمة مكتوب مستصحب في الأسفار.
قال أبو بكر بن العربي (ت: ٥٤٣ هـ) ﵀: في أحكام القرآن هذا من أبين الوجوه عند النظار". (^٢)
وقال الباقلاني (ت: ٤٠٢ هـ) ﵀ أيضًا:
وقد فهم عمر أن ترك النبي-ﷺ جمعه لا دلالة فيه على المنع، ورجع أبو بكر لما رأى وجه الإصابة في ذلك … (^٣)
كلام الباقلاني آنفًا كلام نفيس فيه من الدلائل الواضحات والحجج البينات الدامغات ما يُرُدُّ به كلُ الشبهات الواردات. والحمد لله رب الأرض والسموات.
وقال الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) ﵀ في الموافقات:
وحاصل الأمر أن جمع المصحف كان مسكوتًا عنه في زمانه- ﷺ. (^٤)
والصحابة- ﵃ خير هذه الأمة وأكثرها تعظيمًا لله ولدينه ولشرعه وأبعدها من الابتداع والإحداث في دينه الله ما ليس منه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) ﵀:
" … فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينًا غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستنير فهذا أصل أهل السنة". (^٥)
ومشاركة جمعٍ غفيرٍ من الصحابة- ﵃ في هذا الجمع يُعد إجماعًا سكوتيًا لأنه ليس له أي معارض منهم أبدًا، وذلك وحده كاف في حسم القضية، لأنهم يستحيل اجتماعهم- ﵃ على ضلالة أبدًا.
والله تعالى قد أجار هذه الأمة من أن تجْتَمِع عَلَى ضَلالَة، ولقد أجمع أهل العلم على ذلك وأن هذه العصمة باقية إلى قيام الساعة.
ولقد صحت السنة الثابتة عن المعصوم-ﷺ بذلك، فقد ثبت من حديث كَعْبِ
_________
(^١) رواه البخاري: (٢٩٩٠)، ومسلم: (١٨٦٩)، من حديث عبد الله بن عمر- ﵄.
(^٢) - يُنظر: أحكام القرآن: (٢/ ٦١٢).
(^٣) - فتح الباري: (٨/ ٦٢٩).
(^٤) الموافقات: (٣/ ٤١).
(^٥) مجموع الفتاوى: (١٣ - ٦٢ - ٦٣).
67 / 112
بْنِ عَاصِمٍ (ت: ١٨ هـ) ﵁ (أنه) قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ-يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَ لِي عَلَى أُمَّتِي مِنْ ثَلاثٍ لا يَجُوعُوا، وَلا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلالَةٍ، وَلا يستباح بيضة المسلمين". (^١)
ومن حديث ابن عمر (ت: ٧٣ هـ) ﵄:
قال: قال رسول الله- ﷺ: " إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة "). (^٢)
وعَنْ يُسَيْرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
سَمِعْتُ ابن مَسْعُودٍ-﵁ يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ-على ضلالة". (^٣) وهذا لاشك له حكم المرفوع، بل هو موافق له تمامًا.
وعصمة هذه الأمَّة المرحومة إنما هي عصمة عامة تمنعهم من الاجتماعِ على ضلالة؛ أي: إنهم لا يجتمعون على أمرٍ فيه ضلال واضح وبين مخالفٍ للسنَّة يقودُهم إلى الهلكة والضلالة والعمه.
المبحث الثالث: أهم بواعث جمع أبي بكر-﵁-
وكان من أهم بواعث هذا الجمع وأسبابه ما يلي:
١ - إن من أهم البواعث التي دفعت الصحابة-﵃ لجمع القرآن هو
انقطاع الوحي من السماء بموت النبي- ﷺ ذاك المصاب العظيم والحدث الجلل الكبير والذي يُخشى على القرآن الضياع بسببه.
٢ - ومن أبرزها كذلك تحري القتل في قراء القرآن وحفاظه يوم اليمامة، ويُخشى بقتلهم ذهاب كتاب ربهم، وهم مع ذلك أيضًا معرضون للتفرق والانتشار في الأمصار للجهاد في سبيل الله، وللدعوة إلى الإسلام ونشره في أرجاء المعمورة، ولتعليم الناس أمر دينهم، لأنهم أمة بلاغ وأمة دعوة وجهاد، لا أمة نوم ورقاد.
ولذا كان من قول عمر لأبي بكر- ﵄:
"إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن". فذهاب بعض القراء قد يعني ذهاب الآخرين، فبهذا العمل أمكن تدارك الأمر منذ بدايته. (^٤)
"ولقد كانت معركة اليمامة معركة حامية الوطيس استشهد فيها كثير من قراء الصحابة وحفظتهم للقرآن ينتهي عددهم إلى السبعين وأنهاه بعضهم إلى خمسمائة من أجلهم سالم مولى أبي حذيفة. " (^٥) فتم " … تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعًا مرتبًا خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه". (^٦)
الفصل الثاني
خصائصه ومزاياه
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: أبرز مزايا هذا الجمع
المبحث الثاني: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي
المبحث الثالث: عرض الأقوال الواردة في ترتيب السور مع الترجيح بينها
المبحث الرابع: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره
ويذكر الباحث المباحث الأربعة بشيء من الإيضاح والتفصيل على النحو التالي:
المبحث الأول: أبرز مزايا هذا الجمع
اتسم جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق- ﵁ بخصائص ومزايا عدة، والتي كان من أبرزها ما يلي إجمالًا:
_________
(^١) - حسنه الألباني في الصحيحة (١٣٣١). قال الألباني بعد أن ساق للحديث عدة طرق: "ورجاله ثقات غير محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: لم يكن بذاك.
وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث.
قلت (الألباني): فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن. يُنظر: " الضعيفة " (١٥١٠) ".
(^٢) - قال الألباني في صحيح الجامع الصغير: (صحيح) … [ت] عن ابن عمر. المشكاة ١٧٣، السنة ٨٠، طب، ك، هق في (الأسماء) روي أيضًا موقوفًا على ابن مسعود ﵁.
(^٣) - مصنف ابن أبي شيبة: (٣٧١٩٢)، السنة لابن أبي عاصم: (٨٥)، قال الألباني في ظلال الجنة: "إسناده جيد موقوف رجاله رجال الشيخين. "والحديث رواه الطبراني أيضًا من طريقين إحداهما رجالها ثقات كما في "المجمع" ٥/ ٢١٩. "، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (ج ٦، ص ٣٢٢): "إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. "
(^٤) - يُنظر: أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقص والتحريف: (ص: ٦١)، و:
(ص: ٩١). وأصله مروي في البخاري وغيره من حديث زيد بن ثابت الأنصاري ﵁ وقد سبق تخريجه.
(^٥) مناهل العرفان: (١/ ٢٤٩). مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبد العظيم الزُّرْقاني (المتوفى: ١٣٦٧ هـ)، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه الطبعة: الطبعة الثالثة عدد الأجزاء: ٢
(^٦) المرجع السابق: (ص: ٣٦)، الوحي والقرآن: (ص: ١٥٠).
67 / 113
أولها: دقته وسلامته
ثانيها: استيفائه لشروط الجمع المتفق عليها وموافقته العرضة الأخيرة
أبرز سمات وخصائص ومزايا جمع أبي بكر-﵁ تفصيلًا:
أولها: دقته وسلامته
فقد كان التحري والتدقيق والتثبت والاستيثاق لقرآنية كل ما يُجمع من سور القرآن وآياته وثبوت تواتره ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته فحسب، وتجريده عن كل ما ليس بقرآن،
هو أبرز خصائص هذ الجمع، وذلك بإجماع الصحابة- ﵃ ..
ثانيها: استيفائه لشروط الجمع المتفق عليها وموافقته العرضة الأخيرة
إن كل ما استوفت فيه شروط الجمع المتفق عليها فإنه يضم إلى صحيفة واحدة في مكان واحد وهو ما عِرِف بعد ذلك بالمصحف، وترتب آياته وسوره ترتيبًا مصحفيًا لا ترتيبًا نزوليًا، وذلك وفق العرضة الأخيرة التي أُشِيعَ أن زيد بن ثابت (^١) ﵁ قد شهدها -، وذلك الجمع هو الموافق لما هو مثبت في اللوح المحفوظ.
ثبت عند البخاري وغيره عن عائشة عن فاطمة-﵄ أنها قالت:
"أسَرَّ إليَّ النبيُّ ﷺ أنَّ جبريلَ كانَ يعارضُنِي بالقرآنِ كلَّ سنةٍ وأنهُ عارضَنِي العامَ مرَّتينِ ولا أراهُ إلا حضَرَ أجَلِي". (^٢) (^٣)
وفي ذلك يقول أبو عبد الرحمن السُلميّ (ت: ٧٤) ﵀:
قرأ زيد بن ثابت على رَسُول اللهِ ﷺ في العام الذي توفَّاه الله فيه مرتين، وإنَّما سمِّيَت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت؛ لأنه كتبها لرَسُول اللهِ ﷺ، وقرأها عليه وشهد العرضة الأخيرة، وكان يقرئ الناس بِها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه، وولاه عثمان كتبة المصاحف. (^٤)
وفي نحو ذلك يقول أبو عمرو الداني-﵀ في الأرجوزة المنبهة: (^٥)
وكان يعرض على جبريل … في كل عام جملة التنزيل
فكان يقريه في كل عرضة … بواحد من الحروف السبعة (^٦)
حتى إذا كان بقرب الحين … عرضه عليه مرتين (^٧)
ويقول القسطلاني (ت: ٩٢٣ هـ) ﵀:
"وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده-ﷺ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور". (^٨)
وذلك لأن الدواعي إلى عدم جمعه في موضع واحد مفتقرة إلى ذلك، ولا توجد ضرورة ملحة إليه في ذلك الوقت.
المبحث الثاني: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي
وترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة:
قال الزركشي (ت: ٧٩٤ هـ) ﵀:
فأما الآيات في كل سورة، ووضع البسملة في أوائلها، فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه، ولهذا لا يجوز تعكيسها. (^٩)
وقال السيوطي (ت: ٩١١ هـ) ﵀:
الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات
_________
(^١) وثبوت شهود زيد بن ثابت للعرضة الأخيرة محل نظر عند أهل التحقيق لضعف الروايات الواردة فيها، أما الثابت بأسانيد ثابتة صحاح فهو: شهود عبد الله بن مسعود لها، وأما شهود زيد لها فمشتهر فحسب، ومع اشتهاره فالباحث لم يقف على إسناد ثابت صحيح يُعول عليه في شهوده للعرضة الأخيرة إلا ما أشيع في مصنفات علوم القرآن وبعض كتب التفسير.
ولذا قال البغوي في " شرح السنة" (٤/ ٥٢٥) يُقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بُيِّن فيها ما نُسِخ وما بَقِي. فرواها بصيغة التمريض "يُقال" ولم يصرح بشهوده لها.
وما سيُذْكَرُ من شهود زيد للعرضة الأخيرة في طيات البحث فإنما يُذْكَر تمشيًا مع ما أشيع واشتهر واستفاض لا على ما ثبت واستقر، الباحث.
(^٢) - البخاري المناقب (٣٤٢٦)، مسلم فضائل الصحابة (٢٤٥٠)، الترمذي المناقب (٣٨٧٢)، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦٢١)، أحمد (٦/ ٧٧).
(^٣) - البخاري، فضائل القرآن: ٦/ ١٠١، المناقب، رقم: ٣٣٥٣، مسلم، فضائل الصحابة رقم: ٢٤٥٠، أبو داود رقم: ٥٢١٧، مسند أحمد، رقم: ٢٥٢٠٩، وراجع فضائل القرآن لأبي الفضل الرازي، ص: ٥١، البرهان للزركشي: ١/ ٢٣٢، لطائف الإشارات للقسطلاني: ١/ ٢٣.
(^٤) - رواه أحمد في مسنده، مسند بني هاشم (١/ ٥٩٨) ح ٣٤١٢، ورواه النسائي في السنن الكبرى كتاب فضائل القرآن (٣/ ٧)، وكتاب المناقب (٤/ ٣٦).
(^٥) -عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، القرطبي، علم من أعلام القراء، ثقة حجة في القراءات وعلومها، ولد بدانية من بلاد الأندلس في: ٣٧١ هـ، له أكثر من مائة مؤلف، أشهرها التيسير في القراءات السبع الذي نظمه الشاطبي في اللامية، توفي بدانية في ٤٤٤ هـ، معرفة القراء الكبار: ١/ ٤٠٦، غاية النهاية: ١/ ٥٠٣.
(^٦) - وهذا التفصيل لا يصح وهو محل نظر عند أهل التحقيق وقد قال به غير واحد من أهل العلم غير الداني. وإذا تأملنا في زمن الاستزادة من الأحرف السبعة تحقق لدينا أن ذلك كان في المدينة قبيل وفاة النبي ﷺ بقرابة عام أو عامين اثنين فكيف كان يعرض عليه في كل عام بحرف من الأحرف السبعة! وهي لم تنزل بعد! وهذا خلف من القول من عَلَمٍ كأبي عمرو الداني، ولكن جل من لا يسهو .. الباحث.
(^٧) -الأرجوزة المنبهة لأبي عمرو الداني، البيت رقم: (٧٠ - ٧٢)، (ص: ٨٧).
(^٨) يُنظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: (٧/ ٤٤٦).
(^٩) - الزركشي، البرهان في علوم القرآن: (١/ ٢٥٦). البرهان في علوم القرآن المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: ٧٩٤ هـ) المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم الطبعة: الأولى، ١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م الناشر: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركائه (ثم صوَّرته دار المعرفة، بيروت، لبنان - وبنفس ترقيم الصفحات) عدد الأجزاء: ٤
67 / 114
توقيفي لا شبهة في ذلك، وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه ﷺ وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. (^١)
ويقول السيوطي (ت: ٩١١ هـ) - أيضًا-﵀:
"والذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته بعد نزوله، هو الذي بين الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان، وأنه لم ينقص منه شيئًا، ولا زيد فيه، وأن ترتيبه، ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى، ورتبه عليه رسوله ﷺ من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر ولم يؤخر مقدم". (^٢)
وقال الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) ﵀:
ولقد" انعقد إجماع العلماء على أن ترتيب الآيات في السورة كان بتوقيف من النبي ﷺ-عن الله ﷿، وأنه لا مَجال للرأي والاجتهاد فيه، ولم يُعْلَم في ذلك مُخالفٌ". (^٣)
وممن قال بالإجماع الذي حكاه السيوطي والزرقاني كذلك كل من:
١ - ابن قدامة المقدسي (ت: ٦٢٠ هـ) حيث يقول- ﵀:
ترتيب الآيات واجب؛ لأن ترتيبها بالنص إجماعًا. (^٤)
٢ - وأبو جعفر الغرناطي (ت: ٧٠٨ هـ) حيث يقول- ﵀:
اعلم أولًا أن ترتيب الآيات في سورها وقع بتوقيفه وأمره-ﷺ، من غير خلاف في هذا بين المسلمين. (^٥)
٣ - والملا على القاري (ت: ١٠١٤ هـ) حيث يقول- ﵀:
ترتيب الآيات توقيفي، وعليه الإجماع. (^٦)
٤ - وشهاب الدين النفراوي (ت: ١١٢٧ هـ) حيث يقول- ﵀:
ترتيب الآيات توقيفي اتفاقًا. (^٧)
وقد دل على ذلك أيضًا أدلة كثيرة من السنة الصحيحة الثابتة عن المعصوم ﷺ وهي أكثر من أن تُحصى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
١ - منها ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) إِلَى قَوْلِهِ (غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة من آية: ٢٤٠) قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. (^٨)
فردُ عثمانَ بن عفان على ابْن الزُّبَيْرِ يُفهم منه أنهم-﵃ أجمعين- يعلمون أماكن ترتيب الآيات فتَرَكَهَا عثمان مكانها مثبتةً لأن القرينة تدل عليها، ولأنه هو الذي تعلموه وهو المعمول به لديهم.
٢ - ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر قال ما سألت النبي ﷺ عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ألا تكفيك آية الصّيْف التي في آخر سورة النساء. (^٩)
فآية الكلالة مكانها في نهاية سورة النساء وخواتيمها، ولما سأل عمرُ ﵁ رسولَ الله ﷺ أرشده إلى مكانها في آخر السورة.
ومن هنا يتبين لنا أمران:
الأمر الأول: أن آيات السورة مرتبة ومتتابعة من أولها وحتى آخرها.
والأمر الثاني: أن ترتيب الآيات كان مما يُعَلِّمهُ النبيُ ﷺ أصحابهَ الكرام ﵃.
_________
(^١) -السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (١/ ٢١١). ويُنظر: إعجاز القرآن للباقلاني (صـ ٦٠). وأسرار ترتيب القرآن: (صـ ٤١). ومناهل العرفان في علوم القرآن (١/ ٣٤٧). وحاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي عنايه القاضي وكفاية الراضي: (١/ ٢٥). وفتح البيان في مقاصد القرآن - أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (١٥/ ٣٠٧).
(^٢) المرجع السابق: (ص: ١٦٣).
(^٣) مناهل العرفان للزرقاني: (١/ ٣٤٦).
(^٤) - كشاف القناع عن متن الإقناع: (١/ ٣٤٤). ويُنظر: المبدع في شرح المقنع (١/ ٤٣٣). والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل: (١/ ١١٩).
(^٥) - البرهان في تناسب سور القرآن - حمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي، أبو جعفر: (صـ ١٨٢).
- أخرجه البخاري في الصحيح برقم (٤٥٣٦).
(^٦) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - الملا علي بن سلطان محمد القاري: (٤/ ١٥٢٠). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: ١٠١٤ هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م عدد الأجزاء: ٩
(^٧) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ١/ ٥٦، ٦٦. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: ١١٢٦ هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م عدد الأجزاء: ٢
(^٨) أخرجه البخاري في الصحيح برقم (٤٥٣٦).
(^٩) رواه مسلم برقم (١٦١٧).
67 / 115
٣ - ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء مرفوعًا من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف. (^١)
فقوله: (من أول الكهف) وقوله: (العشر الأواخر) واضح الدلالة على ترتيب آيات السورة كما هو شأن آيات القرآن قاطبة.
وكذلك" قراءته ﷺ للسور المختلفة بمشهد من الصحابة يدلّ على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي- ﷺ يقرأ على خلافة فبلغ ذلك مبلغ التواتر. " (^٢)
٤ - ومنها ما ثبت عند البخاري من حديث عائشة ﵂، (أنها) قالت: سمع النبيُ ﷺ رجلًا يقرأ في المسجد، فقال: "﵀، لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آية، أَسْقَطْتُهُنَّ من سورة كذا، وكذا" (^٣).
فهذا الحديث وأضرابه مما يُستدل به على تعليمه ﷺ أصحابه- رضوان الله عليهم- أماكن الآيات وترتيبها في السور وأنه أمر توقيفي لا محيد عنه ولا محيص.
وهناك أدلة كثيرة جدًا تقرر هذه المسألة، فسماع النبي ﷺ للقرآن من أصحابه مرتب الآيات وإقراره ﷺ لقراءتهم، وكذلك صلاته بهم على مدار مرحلة نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة وقد تكرر ذلك تكرارًا ومرارًا وهو معلوم في دواوين السنة، ففي الإشارة إليه غنية وكفاية.
ومن أراد زيادة فائدة في هذا الباب فليراجع فضائل قراءة بعض آيات من القرآن بعينها في مظانها من كتب السنة كفضل فاتحة الكتاب وهي أكثر من أن تحصى، وكفضائل الآيتين الآخرتين من سورة البقرة (^٤)، وكفضل العشر آيات الأُول من سورة الكهف (^٥) وكذلك ما واظب رسول الله ﷺ على قراءته لبعض سور القرآن ولم يغير في آياتها أي شيء، لا بتقديم ولا بتأخير، وذلك كقراءته لسور البقرة، والنساء، وآل عمران، وقراءته، لسورة "ق" في العيد. (^٦) وكذلك من فوق المنبر وفي الصلاة كذلك، كما كان يقرأ بـ"المنافقون" في الجمعة (^٧).
والنبي ﷺ مع مواظبته على قراءة هذه السور والآيات فقد واظب ﷺ كذلك على ترتيبها، فإنه لا يُعْلَم عنه ﷺ أنه غير شيئًا منها البتة.
ولا ريب أن فعله ﷺ هذا من أوضح البراهين على أن هذا الترتيب هو ما وافق ترتيبه في اللوح المحفوظ والذي تلقاه عن جبريل-﵇.
أدلة أخرى تؤكد على أن ترتيب الآيات توقيفي:
ومما يؤكد على أن ترتيب الآيات ترتيب توقيفي كذلك ويبرهن عليه نزول عدد من سور القرآن جملة ودفعة واحدة.
وفي تقسيم نزول سور القرآن يذكر السيوطي النوع الثاني، وهو النوع الذي نزل جملة واحدة فيقول- ﵀:
" … وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي: - ما نزل جملة واحدة - سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا. وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ. (^٨)
ونسوق بعض الأدلة الصحيحة الثابتة في نزول بعض السور جملة واحدة،
_________
(^١) - رواه مسلم برقم (٨٠٩).
(^٢) - يُنظر: الإتقان: (١/ ٦٢ - ٦٥).
(^٣) أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا ٦/ ١٩٤ ح رقم ٥٠٤٢ ومسلم ٣٣ كتاب صلاة المسافرين ٣٣ - باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها ١/ ٥٤٣ ح رقم ٧٨٨.
(^٤) يُنظر: مسلم في صحيحه برقم: ٨٠٩، وغيرهم.
(^٥) يُنظر: البخاري في صحيحه برقم: (٥٠٠٨ - ٥٠٠٩ - ٥٠٤٠)، ومسلم برقم: (٨٠٧).
(^٦) رواه مسلم برقم: (٨٩١)، وغيره.
(^٧) -يُنظر: مسلم برقم: (٨٧٧)، وغيره من حديث أبي هريرة.
(^٨) الإتقان: (١/ ١٣٦ - ١٣٧). بتصرف.
67 / 116