188

Dalīl al-wāʿiẓ ilā adillat al-mawāʿiẓ

دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ

Genres

وقال ابنُ عمر لرجل: أتخاف النارَ أنْ تدخلها، وتحبُّ الجنَّةَ أنْ تدخلها؟ قال: نعم، قال: برَّ أمَّك فوالله لَئِنْ ألنتَ لها الكلام وأطعمتها الطَّعام، لتدخلن الجنَّة ما اجتنبت الموجبات.
وقال قتادة: «إنَّما وعد الله المغفرةَ لمن اجتنب الكبائر».
ومما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر لا تُكَفَّرُ بدونِ التوبة منها، أو العقوبة عليها حديثُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵌ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ؛ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ»، فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك. (رواه البخاري ومسلم).
وَالْعِصَابَة بِكَسْرِ الْعَيْن: الْجَمَاعَة مِنْ الْعَشَرَة إِلَى الْأَرْبَعِينَ. والْبُهْتَان: الْكَذِب يَبْهَت سَامِعه، وَخَصَّ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل بِالِافْتِرَاءِ لِأَنَّ مُعْظَم الْأَفْعَال تَقَع بِهِمَا.
وفي روايةٍ لمسلم: «وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدًّا فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ».وهذا يدلُّ على أنَّ الحدود كفارات.
وقوله ﵌: «فَعُوقِبَ بِهِ» يعمُّ العقوبات الشرعية، وهي الحدود المقدَّرةُ أو غير المقدَّرة، كالتعزيزات، ويشمل العقوبات القدرية، كالمصائب والأسقام والآلام، فإنَّه صحَّ عن النَّبيِّ ﵌ أنَّه قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (رواه البخاري).
وقوله ﵌: «وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ فَهُوَ إِلَى اللهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ» صريحٌ في أنَّ هذه الكبائر من لقي الله بها كانت تحتَ مشيئتِهِ، وهذا يدلُّ على أنَّ إقامةَ الفرائضِ لا تكفِّرها ولا تمحوها، فإنَّ عموم المسلمين يُحافظون على

1 / 205