المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل اللسان عنوان عقل الانسان وآلة تظهر سر الجنان بفصيح العبارة وصريح البيان وصلاته وسلامه على سيدنا محمد المجتي من سرة عدنان المبعوث بجوامع الكلم الشاملة لأنواع البيان الباهرة بفصاحتها عقول ذوي الفطن والأذهان والمخصوص بمحاسن الشيم المتممة لمكارم الأخلاق ومزايا الاحسان والحائز في حلبات الاصطفاء قصبات الرهان وعلى آله وصحبه فروع شجرته الباسقة الأفنان وفراقد سماء رسالته أعيان السادات وسادات الأعيان صلاة وسلامًا دائمين ما دام طرف القلم مقادًا بعنان البنان وبعد فإني لما رأيت تغير معاني الأخلاق دالًا على تباين مباني الأعراق والنفوس تتفاوت في ميلها إلى أغراضها على حسب اختلاف جواهرها وأعراضها حداني غرض اختلج في سري وأمل اعتلج في صدري على أن أجمع كلامًا في المحامد والمذام المتخلقة بها نفوس الخواص والعوام وأجعله كتابًا يغني اللبيب عن الخليل والنديم ويخبر بالحديث والقديم فشمرت عن ساق الجد وحسرت عن ساعد الكد وعمدت إلى حسان الكتب المجموعة في ضروب الأدب فتصفحت مضمونها وتلمحت فنونها واستفتحت عيونها واستبحت أبكارها وعونها وجمعت في هذا الكتاب من زواهر أسدافها وجواهر أصدافها ملح فكاهات جلت عرائس المعاني في حلل موشاة وأظهرت نفائس المحاسن في أنواع من البراعة مغشاة وأزاهر بيان يغدو المتلفظ بها غايات ويروح المتحفظ بها صاحب آيات وجعلته شاملًا لمصايد شواردها ناهلًا من الفضائل أعذب مواردها محتويًا من إحراز الألفاظ على درر منظومة تستفتح النواظر بلمحات سلكها ومن أسرار المعاني على سرر مختومة تستروح الخواطر

1 / 7

بنفحات مسكها. أحاديث لو صيغت لألهت بحسنها عن الدر أو شمت لأغنت عن المسك وكسوته من الأخبار بزة رفيعة وأبدعت فيما أودعت فيه من الفكاهات الرائقة البديعة من نوادر مطربات وأبيات مهذبات هي للأوراق شموس مشرقات ولألئ أنوارها بارقات ألفاظها أرق من النسيم وأروق من التسنيم مفرد كما أزهرت روضات حسن وأثمرت ... فأضحت وعجم الطير فيها تغرّد وجنبته خرافات الأخبار ومطوّلات الأسمار لئلا تسأمه عند المطالعة النفوس ولئلا يكون ذكرها وضحًا في غرر الطروس وجعلته ستة عشر بابًا تسفر عن وجه الابداع نقابًا وجعلتها متضادة لتضاد الأخلاق والشيم وتباين الأقدار والهمم كل باب يشتمل على ثلاثة فصول في ثلاثة معان تفك بلطائفها من أدهم الهم كل قلب عان وهذه الفصول قلائد أجناس فصلت بلآلئ أنواعها ومعاهد إيناس نصبت أشراك النفوس برباعها فجاءت فصولًا تعبر عن حسان فنونها ومعانيها وتغبر في وجه عائبها وشانيها وقدمت في أبواب المحامد فصلًا في مدائحها ليتنسم المتأمل عرف اليمن من فواتحها وأتبعته فصلًا ثانيًا فيما ذكر عن المتخلقين بها من أزهار خمائل الأخبار وأبكار عقائل الأفكار الفائقة باختبارها درر الأمثال السائرة الرائقة في اختيارها فهي عن غرر المفاخر سافرة وعززت بثالث في ذم ما مدح من الأخلاق لسبب يطرأ عليها إذ البدر يطرأ عليه الخسوف والمحاق والشيء بالشيء يعرف فيذكر بعد ان كان يجهل وينكر فربما تجاذبت الأحاديث أذيالها فطلبت من المنمق أشكالها ولا غرو فالحديث كما يقال شجون وأحسنه ما جذل جده برقيق الهزل مقرون على أنني لم آل جهدًا في إضافة كل شيء إلى ما يشاكله ويلائمه

1 / 8

ويضاهيه في المعنى ويساهمه مما يجري في هذا الاسلوب ولا يخرج عن المقصود والمطلوب ورتبت فصول أبواب المذام على العكس من أبواب المحامد والمآثر وأطلعت في دياجي مساويها من محاسن الملح الأنجم الزواهر ترتيبًا لا يرتاب في جودته أريب وتقريبًا يؤمن به من كل ما يريب فأبوابه على اختلافها بائتلافها في الحسن نظائر وبعضها لبعض ضرائر إن ازدهى الحسن بابًا منها بتقسيمه ووصفه تنفس الآخر عن حسن ترصيعه وطيب عرفه مفرد ضدّان لما استجمعا حسنًا ... والضدّ يظهر حسنه الضدّ وسددته جهدي رجاء أن يصيب صميم الآمال والأعراض وخوفًا أن تصرفه النفوس عند النقد بالصد عنه والاعراض ووسمته بغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة اسم يكون لحلة أدبه طرازًا معلمًا وبمكنون أسراره معلنًا ومعلمًا إذ الكتاب لا يعلم ما في باطنه إلا من سمة عنوانه كما أن الانسان يعلم ما في قلبه من لفتات وجهه وفلتات لسانه وأنا راغب لمن وقف على هذا الكتاب من سراة الأعيان والكتاب القاطفي أزهار الآداب من جنان الخواطر العاطفي نفار الألباب في عنان النوادر أن لا يفوق لهدف الاختيار سهم الاختبار وأن يحدق إليه بصر الاعتقاد عند الانتقاد فأي جواد لا يكبو وأي مهند لا ينبو ومع هذا فإن لسان التقصير عن القيام بالعذر قصير والمصنف وإن استعان في تنقيح ما ألف بمالك وعقيل معرض لطاعن وحاسد إلا أن يتاح له عاذر ومقيل مفرد وإني لأرجو أن يفخم أمره ... من الناس حرّ شأنه الصفح والستر

1 / 9

والله أسأل أن يكسبه دلًا معشقًا يكون به لداء القلوب محظيًا ويكسيه حسنًا ورونقًا حتى يكون بعيون العقول مرعيًا وللافهام مرضيًا وبه أستعين على سبيل الرشاد فيما نحوت فهو المعين بهدايته لتحقيق ما رجوت ولما انتهى بنا جواد قريحتنا إلى غاية البيان عن المراد وحاز قصب السبق في مضمار النطق بالسداد رأينا صوابًا أن نعقبه بذكر مقدمة في حض الانسان على الدأب في طلب المعالي ليظفر بالحظ الأوفر من الشرف المتعالي تكون أسالما قصدنا فيه التحرير والتحبير من الكشف عن ماهية الأخلاق وحقيقة معانيها وكيفية صورها ومبانيها بقول شاف وتلخيص كاف وهو مما اخترناه من كلام الحكماء الاعلام أولى البصائر والأحلام قالوا الخلق عادة للنفس يفعلها الانسان بلا روية وهي نوعان جميل محمود وقبيح مذموم والأخلاق المحمودة وإن كانت في بعض الناس غريزة فإن الباقين يمكن أن يصيروا إليها بالرياضة والألفة ويرتقوا إليها بالتدرب والعادة فإنهم وإن لم يكونوا على الخير مطبوعين صاروا به متطبعين والفرق بين الطبع والتطبع أن الطبع جاذب منفعل والتطبع مجذوب مفتعل تتفق نتائجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الاسترسال وقد يكون في الناس من لا يقبل طبعه العادة الحسنة ولا الأخلاق الجميلة ونفسه مع ذلك تتشوف إلى المنقبة وتتأفف من المثلبة لكن سلطان طبعه يأباه عليه واستعصاؤه مع تكلف ما ندب إليه يختار العطل منها على التحلي ويستبدل الحزن على فواتها بالتسلي فلا ينفعه التأنيب ولا يردعه التأديب وسبب ذلك على ما قرره المتكلمون في الأخلاق أن طبع المطبوع أملك للنفس التي هي محله لاستيطانه إياها وكثرة إعانته لها والأدب طار على المحل غريب فيه قال الشاعر في ذلك إذا كان الطباع طباع سوء ... فليس بنافع أدب الأديب

1 / 10

وقال آخر ومن يبتدع ما ليس من خيم نفسه ... يدعه ويغلبه على النفس خيمها وأما الذي يجمع الفضائل والرذائل فهو والذي تكون نفسه الناطقة متوسطة الحال بين اللؤم والكرم وقد تكتسب الأخلاق من معاشرة الاخلاء فإن صلاحها من معاشرة الكرام وفسادها من مخالطة اللئام ورب طبع كريم أفسدته معاشرة الأشرار وطبع لئيم أصلحته مصاحبة الأخيار وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل وقال علي ﵁ لولده الحسن الأخ رقعة في ثوبك فانظر بم ترقعه وقال بعض الحكماء في وصية لولده يا بني احذر مقارنة ذوي الطباع المرذولة لئلا يسرق طباعك من طباعهم وأنت لا تشعر ثم أنشد واصحب الأخيار وارغب فيهم ... ربّ من صاحبته مثل الجرب فإذا كان الخليل كريم الأخلاق حسن السيرة طاهر السريرة فبه في محاسن الشيم يقتدي وبنجم رشده في طرق المكارم يهتدي. وإذا كان سيء الأعمال خبيث الأقوال كان المعتبط به كذلك ومع ذلك فواجب على العاقل اللبيب والفطن الأريب أن يجهد نفسه حتى يحوز الكمال بتهذيب خلائقه ويكتسي حلل الجمال بدماثة شمائله وحميد طرائقه ويكد في الهواجر ويسهر الليالي إلى أن يرتقي شرفات المجد والمعالي فقد قيل من شمر عن ساق الجد وجد مفتاح الجد ومن كلام الثعالبي لا يحصل برد العيش الأبحر النصب ولله در الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي حيث قال سأعرض كل منزلة ... يعرض دونها العطب

1 / 11