صلى الله عليه وسلم
ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له: مسروح، فأرضعته أياما قبل أن تقدم حليمة، وأرضعت أبا سلمة بن عبد الأسد معه، فكان أخاه من الرضاعة، وقدم مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع، فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث السعدية، وكان معها زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة، وولده منها: عبد الله بن الحارث، والشيماء وهي التي كانت تحضن رسول الله مع أمها، فعرض رسول الله على حليمة، فجعلت تقول: يتيم ولا مال له، وما عست أم أن تفعل، فخرج النسوة وخلفنها، فقالت حليمة لزوجها: أما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة مسترضع إلا هذا الغلام اليتيم، فلو أخذناه فإني أكره أن أرجع إلى بلادنا ولم نأخذ شيئا، فقال لها زوجها: خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا، فجاءت إلى أمه فأخذته منها فوضعته في حجرها فأقبل عليه ثدياها حتى تقطرا لبنا فشرب رسول الله حتى روي، وشرب أخوه، ولقد كان أخوه لا ينام من الغوث،
8
فطابت نفس حليمة وسرت بذلك، ثم خرجت به إلى بلادها وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، فمكث عندها سنتين حتى فطم وكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، فأخبرتها حليمة خبره، وما رأت من بركته، فقالت أمه لحليمة: ارجعي بابني فإني أخاف عليه وباء مكة، فرجعت به حليمة إلى ديارها فكان عندها سنة أو نحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيدا، ثم ذهبت به إلى أمه لترده وهو ابن خمس سنين، وفي تلك السنة من مولده حينما قدمت به حليمة إلى عبد المطلب قدم مكة كاهن فنظر إليه مع عبد المطلب وقال: يا معشر قريش، اقتلوا هذا الصبي فإنه يفرقكم
9
ويقتلكم، فهرب به عبد المطلب، فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم منه، ولما بلغ رسول الله ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة، فأقامت به عندهم شهرا، فكان رسول الله يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه، قالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء - مكان بين مكة والمدينة - توفيت أمه آمنة بنت وهب وقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن إلى مكة، ولما مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في عمرة الحديبية بالأبواء قال: «إن الله تعالى قد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه.» فأتاه رسول الله فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكائه، فقيل لرسول الله، فقال: «أدركتني رحمتها فبكيت.»
ولما توفيت أمه
صلى الله عليه وسلم
Unknown page