68

Ghidhaʾ al-albāb fī sharḥ manẓūmat al-ādāb

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Publisher

مؤسسة قرطبة

Edition Number

الثانية

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

مصر

Genres

Sufism
قَالَ الْحَافِظُ: وَلَقَدْ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا، فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ لَوْ أَتْمَمْت كَلَامَك رَجَوْنَا أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ الْقَوْلَ فِتْنَةٌ، وَالْفِعْلُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِ مِنْ الْقَوْلِ.
قَالَ الْحَافِظُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكُنْت مِنْ مُدَّةٍ قَدْ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ﵁ فِي الْمَنَامِ وَسَمِعْته يَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَظُنُّ أَنِّي فَاوَضْتُهُ فِيهَا وَفَهِمْت مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّكَلُّمَ بِالْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ذِكْرُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ الصَّمْتُ مَنَامُ الْعَقْلِ وَالْمَنْطِقُ يَقَظَتُهُ، وَلَا يَتِمُّ حَالٌ إلَّا بِحَالٍ، يَعْنِي لَا بُدَّ مِنْ الصَّمْتِ وَالْكَلَامِ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ وَكَانَ أَحَدَ الْحُكَمَاءِ يَقُولُ: إذَا كَانَ الْمَرْءُ يُحَدِّثُ فِي مَجْلِسٍ فَأَعْجَبَهُ الْحَدِيثُ فَلْيَسْكُتْ، وَإِذَا كَانَ سَاكِتًا فَأَعْجَبَهُ السُّكُوتُ فَلْيُحَدِّثْ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا حَسَنٌ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ سُكُوتُهُ وَحَدِيثُهُ بِمُخَالَفَةِ هَوَاهُ وَإِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَدِيرًا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ وَتَسْدِيدِهِ فِي نُطْقِهِ وَسُكُوتِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ وَسُكُوتَهُ يَكُونُ لِلَّهِ ﷿.
وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ﷿ قَالَ «عَلَامَةُ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُ الْعَبْدِ عِنْدِي مُعَلَّقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْسَنِي عَلَى حَالٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَنَنْت عَلَيْهِ بِالِاشْتِغَالِ بِي لَا يَنْسَانِي، فَإِذَا نَسِيَنِي حَرَّكْت قَلْبَهُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ لِي وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ لِي، فَذَلِكَ الَّذِي يَأْتِيهِ الْمَعُونَةُ مِنْ عِنْدِي» رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ.
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَبِكُلِّ حَالٍ فَالْتِزَامُ الصَّمْتِ وَاعْتِقَادُهُ قُرْبَةً إمَّا مُطْلَقًا أَوْ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ كَالْحَجِّ وَالِاعْتِكَافِ وَالصِّيَامِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ صِيَامِ الصَّمْتِ» .
وَخَرَّجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الصَّمْتِ فِي الْعُكُوفِ» .
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَلِيٍّ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» .

1 / 75