35

Ghidhaʾ al-albāb fī sharḥ manẓūmat al-ādāb

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Publisher

مؤسسة قرطبة

Edition Number

الثانية

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

مصر

Genres

Sufism
هَذِهِ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ نَحْوُ ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢]؟ وَمِنْهُ عِنْدَ الْخَلِيلِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا رَجُلًا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا ... يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلَةٍ تَبِيتُ
وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا تُرُونِي رَجُلًا هَذِهِ صِفَتُهُ، فَحُذِفَ الْفِعْلُ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى، وَهَكَذَا فِي كَلَامِ النَّاظِمِ ﵀، فَالْمَعْنَى أَلَا يُوجَدُ (مَنْ) أَيْ إنْسَانٌ أَوْ الَّذِي (لَهُ فِي) اسْتِمَاعِ (الْعِلْمِ) وَطَلَبِهِ وَتَحْصِيلِهِ، وَهُوَ صِفَةٌ يُمَيَّزُ الْمُتَّصِفُ بِهَا تَمَيُّزًا جَازِمًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ.
مَطْلَبٌ: مَرَاتِبُ الْعِلْمِ ثَلَاثٌ.
وَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ:
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: (عِلْمُ الْيَقِينِ) وَهُوَ انْكِشَافُ الْمَعْلُومِ لِلْقَلْبِ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ وَلَا يَشُكُّ فِيهِ كَانْكِشَافِ الْمَرْئِيِّ لِلْبَصَرِ. ثُمَّ يَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَرْتَبَةُ (عَيْنِ الْيَقِينِ) وَنِسْبَتُهَا إلَى الْعَيْنِ كَنِسْبَةِ الْأُولَى لِلْقَلْبِ، ثُمَّ تَلِيهَا الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ (حَقُّ الْيَقِينِ) وَهِيَ مُبَاشَرَةُ الْمَعْلُومِ وَإِدْرَاكُهُ الْإِدْرَاكَ التَّامَّ.
فَالْأُولَى كَعِلْمِكَ أَنَّ فِي هَذَا الْوَادِي مَاءٌ، وَالثَّانِيَةُ كَرُؤْيَتِهِ، وَالثَّالِثَةُ كَالشُّرْبِ مِنْهُ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ حَارِثَةَ «أَصْبَحَتْ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ إيمَانِك؟ قَالَ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنْ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فَأَسْهَرْت لَيْلِي وَأَظْمَأْت نَهَارِي وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَعَاوَوْنَ فِيهَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَرَفْت فَالْزَمْ عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ» ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي اسْتِنْشَاقِ نَسِيمِ الْأُنْسِ وَقَالَ ضَعِيفٌ، وَالْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ مُحْتَجًّا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) فِي حِفْظِ آدَابِ (الدِّينِ) وَالتَّخَلُّقِ بِهَا (رَغْبَةٌ) أَيْ إرَادَةٌ وَطَلَبٌ يُقَالُ رَغِبَ فِيهِ كَسَمِعَ رَغْبًا وَيُضَمُّ وَرَغْبَةً أَرَادَهُ كَارْتَغَبَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَرَغِبَ عَنْهُ لَمْ يُرِدْهُ، وَرَغِبَ إلَيْهِ ابْتَهَلَ إلَيْهِ أَوْ هُوَ الضَّرَاعَةُ وَالْمَسْأَلَةُ. وَالدِّينُ لُغَةً الْجَزَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَمَاسَة:
وَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا
وَالِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ وَالْحِسَابُ وَالْعَادَةُ وَالْعَمَلُ وَالْحُكْمُ وَالْحَالُ وَالْخُلُقُ وَالطَّاعَةُ وَالْقَهْرُ وَالْمِلَّةُ وَالشَّرِيعَةُ وَالْوَرَعُ وَالسِّيَاسَةُ وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ يَطُولُ

1 / 42