Ghidhaʾ al-albāb fī sharḥ manẓūmat al-ādāb
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Publisher
مؤسسة قرطبة
Edition Number
الثانية
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
مصر
Genres
Sufism
خِلَافِهِ، وَيُقَالُ خُدِعَ الطَّرِيقُ فَسَدَ فَكَأَنَّ الْخِدَاعَ يُفْسِدُ تَدْبِيرَ الْمَخْدُوعِ وَيُقِيلُ رَأْيَهُ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: خَدَعَهُ يَخْدَعُهُ خُدْعًا وَخِدْعًا أَيْضًا بِالْكَسْرِ مِثْلَ سَحَرَهُ سِحْرًا أَيْ خَتَلَهُ وَأَرَادَ بِهِ الْمَكْرُوهَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ وَالِاسْمُ الْخَدِيعَةُ انْتَهَى.
قُلْت: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ أَهْلِ الْغَرِيبِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهَا تُرْوَى عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقَامُوسِ وَالْمَشَارِقِ بِضَمِّ مَا أَهْمَلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهَا خَمْسُ لُغَاتٍ فَإِنَّ الْقَامُوسَ قَالَ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ مُثَلَّثَةٌ وَكَهُمَزَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَهُ مُثَلَّثَةُ الْخَاءِ مَعَ سُكُونِ الدَّالِ، وَقَوْلُهُ كَهُمَزَةٍ أَيْ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأَهْمَلَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ مِنْ فَتْحِ الْخَاءِ وَالدَّالِ مَعًا.
وَأَهْمَلَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ فَتْحَ الْخَاءِ وَسُكُونَ الدَّالِ لَكِنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَى صَاحِبِ الْقَامُوسِ، لِأَنَّ مَنْ رَوَاهُ خَدَعَةً بِفَتْحِهِمَا فَهُوَ جَمْعُ خَادِعٍ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْمَشَارِقِ إهْمَالُ لُغَةِ الْفَتْحِ مَعَ السُّكُونِ فَاحْفَظْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِيمَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْخُدْعَةِ
قَالَ اللَّهُ ﷾ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٩] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْخُدْعُ أَنْ تُوهِمَ غَيْرَك خِلَافَ مَا تُخْفِيهِ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِتُنْزِلَهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ خَدَعَ الضَّبُّ إذَا تَوَارَى فِي جُحْرِهِ، وَضَبٌّ خَادِعٌ وَخَدِعٌ إذَا أَوْهَمَ الْحَارِسَ إقْبَالَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابٍ آخَرَ وَأَصْلُهُ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ الْمَخْدَعُ لِلْخِزَانَةِ وَالْأَخْدَعَانِ لِعِرْقَيْنِ خَفِيفَيْنِ فِي الْعُنُقِ. فَالْمُخَادَعَةُ تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
وَخِدَاعُهُمْ مَعَ اللَّهِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا خَدِيعَتَهُ، بَلْ الْمُرَادُ إمَّا مُخَادَعَةُ رَسُولِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ عَلَى أَنَّ مُعَامَلَةَ الرَّسُولِ مُعَامَلَةُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَلِيفَتُهُ كَمَا قَالَ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠] وَأَمَّا أَنَّ صُورَةَ صُنْعِهِمْ مَعَ اللَّهِ مِنْ إظْهَارِ الْإِيمَانِ وَاسْتِبْطَانِ الْكُفْرِ وَصُنْعَ اللَّهِ مَعَهُمْ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عِنْدَهُ أَخْبَثُ الْكُفَّارِ وَأَهْلُ الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ
1 / 129