وقوله: (إلا ما شاء الله) فيه قولان: قيل: هو استثناء متصل، وأنه يملك من ذلك ما ملكه الله. وقيل: هو منقطع، والمخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا بحال. فقوله: (إلا ما شاء الله) استثناء منقطع، أي: لكن يكون من ذلك ما شاء الله، كقول الخليل: ﴿وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا﴾ ١. أي: لا أخاف أن يفعلوا شيئًا، لكن إن شاء ربي شيئًا كان، وإلا لم يكن، وإلا فهم لا يفعلون شيئًا. وكذلك قوله: ﴿وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ﴾ ثم قال: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ ٢. تنفعه الشهادة وتنفع شهاداته، كقوله: ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ ٣ وقال: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ ٤. وبسط هذا له موضع آخر.
قال الشيخ: وأما ما ذكره من تضافر النقول عن السلف بالحض على ذلك وإطباق الناس عليه قولًا وعملًا.
فيقال: الذي اتفق عليه السلف والخلف وجاءت به الأحاديث الصحيحة هو السفر إلى مسجده، والصلاة والسلام عليه في مسجده، وطلب الوسيلة له، وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله، فهذا السفر مشروع باتفاق المسلمين سلفهم وخلفهم، وهذا هو مراد العلماء الذين قالوا يستحب السفر إلى زيارة قبر نبينا ﷺ، فإن مرادهم بالسفر لزيارته هو السفر إلى مسجده، وذكروا في منسك الحج أنه يستحب زيارة قبره، وهذا هو مراد من ذكر الإجماع على ذلك، كما ذكر القاضي عياض.
قال: وزيارة قبره سنة مجمع عليها، وفضيلة مرغّب فيها. فمرادهم الزيارة التي بينوها وشرحوها: كما ذكر ذلك القاضي عياض في هذا الفصل فصل زيارته.
قال: وقال إسحاق بن إبراهيم الفقيه: ومما لم يزل شأن من حج المرور بالمدينة
١ سورة الأنعام: ٨٥.
٢ سورة الزخرف: ٨٦.
٣ سورة سبأ: ٢٣.
٤ سورة الزمر: ٤٤.