الناس بعدهم أتبعهم لهم، قال ابن مسعود ﵁: "من كان منكم مستنًا فليستنّ بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد ﷺ؛ أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلّها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسّكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"١. وبسط هذا له موضع آخر.
والمقصود هنا: أن الصحابة تركوا البدع المتعلقة بالقبور بقبره وقبر غيره لنهيه ﷺ عن ذلك، ولئلا يتشبهوا بأهل الكتاب الذين اتخذوا قبور الأنبياء أوثانًا، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلّم عليه إذا قدم من سفر، كما كان ابن عمر يفعل. بل كانوا في حياته يسلّمون عليه ثم يخرجون من المسجد لا يأتون إليه عند كل صلاة، وإذا جاء أحد سلم عليه رد عليه النبي ﷺ وكذلك من سلم عليه عند قبره رد عليه، وكانوا يدخلون على عائشة فكانوا يسلمون عليه كما كانوا يسلمون في حياته، ويقول أحدهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وقد جاء هذا عامًّا؛ "ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد ﵇" ٢ فإذا كان رد السلام موجودًا في عموم المؤمنين فهو في أفضل الخلق أولى، وإذا سلم المسلم عليه في صلاته فإنه وإن لم يرد عليه لكن الله يسلم عليه عشرًا، كما في الحديث:"من سلّم عليَّ مرة سلم الله عليه عشرًا"٣. فالله يجزيه على هذا السلام أفضل مما يحصل بالرد، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرًا.
وكان ابن عمر يسلّم عليه ثم ينصرف ولا يقف لا لدعاء له إلا لنفسه، لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة، قال مالك: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها" مع أن فعل ابن عمر إذا لم يفعل مثله
١ أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (٤/٣٨/٧٥٨) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٢/٩٤٧/١٨١٠) بإسناد منقطع.
٢ حديث منكر كما قال ابن رجب في "أهوال القبور".
٣ لم أجده بهذا اللفظ.