الغرامية
في مصطلح الحديث
منظومة أبي العباس أحمد بن فرح الإشبيلي
شرح وتوثيق
مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
الطبعة الأولى
١٤٢٢ هـ ٢٠٠١ م
1 / 1
الخطة
رأيت أن يكون البحث في قسمين الأول دراسة والثاني شرح وتوثيق.
الدراسة فيها ثلاثة مباحث:
الأول: المقدمة وفيها نبذة عن علم مصطلح الحديث.
والثاني: ترجمة الناظم وفيها من الجزئيات: نسبه، مولده، نشأته، أول سماعه، رحلاته، أشهر شيوخه، أشهر تلاميذه، ما وقع له من البلاء، صفاته، عقيدته، ثقافته، مكانته الاجتماعية، مؤلفاته، وفاته.
والثالث: إثبات نسبة النظم
شرح ما ألمحت إليه المنظومة، وما ورد فيها من قواعد مصطلح الحديث.
1 / 4
المقدمة
الحمد لله الكريم المنان، واسع الفضل والإحسان، والصلاة والسلام على كامل الخلق والخلق، سيد ولد عدنان، سيد الأولين والآخرين من بني الإنسان، وعلى آله وصحبه، والمتبعين له بإحسان وبعد:
فإن أعظم ما بذل فيه الجهد، واستنفرت له الهمم، وقضيت فيه الأوقات، خدمة كتاب الله العزيز، وسنة رسول الله البشير النذير ﷺ، أما الكتاب العزيز فجهود العلماء فيه ظاهرة معلومة، وهو محفوظ من الله ﷿ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (١) فتحقق وعد الله ﷿، إذ وعته العقول، واستوعبته الصدور، وفي وقت قريب من عهد رسول الله ﷺ دون في مصحف واحد بعناية واهتمام، فتحقق له الحفظ والصون والأمان، فلا ينال منه شيطان من إنس ولا جان.
أما سنة رسول الله ﷺ فبقيت معرضة للتزوير والتحوير، وهو أمر خطير وشر مستطير، حذر منه البشير النذير ﷺ فقال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (٢)، وهذه لفتة نبوية إلى أن الكذب عليه سيقع لا محالة، لذلك حذر منه أمته، فكان هذا الخبر منه ﷺ دافعا قويا لأمته من بعده لأخذ الحيطة والحذر في النقل عنه ﷺ فالحديث عنه شديد كما قال زيد بن أرقم ﵁ (٣)، وهكذا احتاط الأصحاب ﵃ لأنفسهم، يقول أنس
_________
(١) الآية (٩) من سورة الحجر.
(٢) أخرجه البخاري في (ص ٧١٢) كتاب أحاديث الأنبياء، باب (٥٠) حديث (٣٤٦١).
(٣) أخرجه ابن ماجه في (١/ ١١) المقدمة، باب (٣) حديث (٢٥).
1 / 5
بن مالك ﵁: "لولا أني أخشى أن أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله ﷺ، أو قالها رسول الله ﷺ " (١)، وشددوا في التثبت من النقلة عن رسول الله ﷺ فهذا أبو بكر ﵁ في قصة ميراث الجدة لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة ﵁، بل قال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري ﵁ فشهد له (٢)، وهذا عمر بن الخطاب ﵁ يشدد على أبي موسى الأشعري ﵁ في نقله حديث الاستئذان ويقول: " تأتيني على ذلك ببينة - وفي رواية - لتقيمن عليه بينة" (٣)، ويقول في قصة طلاق فاطمة بنت قيس: لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت، حفظت أم نسيت (٤)، ويزداد الموقف شدة بانقضاء الصدر الأول من الصحابة، فهذا حبر الأمة عبد الله بن عباس ﵁ لم يأذن لحديث بشير بن كعب العدوي إذ يقول: قال رسول الله ﷺ. فلما رآه لا ينظر إليه ولا يستمع لحديثه قال: يا ابن عباس مالي أراك لا تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ﷺ ولا تسمع؟ . فقال ابن عباس ﵁: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله ﷺ، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرفه (٥)،
_________
(١) سنن الدارمي (١/ ٦٧ المقدمة، باب (٢٥) حديث (٢٤١).
(٢) أخرجاه في الصحيحين: البخاري في (ص ١٥٣٤) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب (١٣) حديث (٧٣١٨)، ومسلم في (٣/ ١٣١١) كتاب القسامة، باب (١١) حديث (٣٩ - ١٦٨٩).
(٣) أخرجهما البخاري في (ص ٤٠٧) كتاب البيوع، باب (٩) حديث (٢٠٦٢) وفي (ص ١٣٢٣) كتاب الاستئذان، باب (١٣) حديث (٦٢٤٥) ..
(٤) أخرجه مسلم في (٢/ ١١١٨ - ١١١٩) كتاب الطلاق، باب (٦) حديث (٤٦ - ١٤٨٠).
(٥) أخرجه الإمام مسلم في مقدمة الصحيح (١/ ١٢ - ١٣) باب (٤) حديث (٧ - ٧).
1 / 6
هكذا مر عهد أصحاب رسول الله ﵃ بين حيطة وتوثق من صحة النقل، فلما ظهرت الفنتة برز التفتيش عن أحوال الرجال وما هم عليه من الصفات، يقول ابن سيرين ﵀: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم (١)، وكذلك تكلم في هذا الباب جمع من التابعين منهم: الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، والإمام مالك وغيرهم، ومن هنا أصبح الإسناد أمرا لا مفر منه في الرواية، وما ليس له إسناد كمن لا نسب له، ومن أهمية الإسناد نشأت الرحلة إلى الأمصار، بحثا عن التوثق والعلو في الإسناد، واعتبر الأئمة ذلك من الدين، إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يقول ابن سيرين ﵀: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم (٢).
ومن هنا نعلم أن الخطوط العريضة لنقد الأسانيد والمتون برزت الحاجة إليها مبكرة في عهد الأصحاب ﵃، كما هو واضح مما تقدم ذكره، وهكذا نما الاعتناء بهذا الجانب العظيم، في مراحل تاريخية متفاوتة وهي أربع مراحل:
١ - عهد الأصحاب ﵃ وما أبدوا فيه من خطوط عريضة لقواعد الحيطة والتثبت في النقل عن رسول الله ﷺ، وتعتبر هذه المرحلة من بداية القرن الأول إلى نهايته، غير أنه لم يدون شيء كبير في هذا الصدد، سوى ما كان من كتابة عبد الله بن عمر وغيره، فهذا القرن خير القرون، كان فيه
_________
(١) ذكره الإمام مسلم في مقدمة الصحيح (١/ ١٥) باب (٥) ..
(٢) أخرجه مسلم في مقدمة الصحيح (١/ ١٤) باب (٥).
1 / 7