Gharaib Quran
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
إنما يجوز أن تطلق على الله تعالى بعد الإذن الشرعي باعتبار النهايات لا باعتبار المبادئ. فحديث سلمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
** «إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما
صفرا حتى يضع فيهما خيرا
رد المحتاج إليه حياء منه. ومعنى قوله ( إن الله لا يستحيي ) أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يمثل بها لحقارتها. ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة فقالوا : أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلا بالذباب والعنكبوت؟ فجاءت على سبيل المقابلة والطباق ، وهو فن بديع قال أبو تمام :
من مبلغ أفناء يعرب كلها
أني بنيت الجار قبل المنزل
فلولا بناء الدار لم يصح بناء الجار ، وقد استعير الحياء فيما لا يصح فيه :
إذا ما استحين الماء يعرض نفسه
كر عن بسبت في إناء من الورد
فيصف كثرة مياه الأمطار في طريقه ، وأنه أينما ذهب رأى الماء وكأنه يعرض نفسه على النوق فتستحيي فتكرع فيه مشافر كأنها السبت وهو الجلد المدبوغ بالقرظ ، وشبه الأرض وفيها الماء وحواليه الأزهار بإناء من الورد. وفيه لغتان : استحييت منه واستحييته وهما محتملتان هاهنا. وضرب المثل اعتماده وصنعه من ضرب اللبن وضرب الخاتم ، وفي الحديث : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب. و «ما» هذه إبهامية ، إذا اقترنت باسم نكرة زادته شياعا وعموما كقولك «أعطني كتابا ما» تريد أي كتاب كان ، أو صلة للتأكيد كالتي في قوله ( فبما نقضهم ) [النساء : 155] أي مثلا حقا أو البتة. وانتصب ( بعوضة ) بأنها عطف بيان و ( مثلا ) وذلك أن ما يضرب به المثل قد يسمى مثلا كما يقال : حاتم مثل في الجود. أو مفعول ل ( يضرب ) و ( مثلا ) حال عن النكرة مقدمة عليها ، أو انتصبا مفعولين فجرى «ضرب» مجرى «جعل». والبعوض في أصله صفة على فعول من البعض القطع فغلبت ، ومنه بعض الشيء لأنه قطعة منه وفي معناه البضع والعضب. ومن غرائب خلقه أنه مع صغره أعطي كل ما أعطي الفيل مع كبره ، ففيه إشارة إلى أن خلق أحدهما ليس أصعب من خلق الاخر ، وإشارة إلى حالة الإنسان وكمال استعداده كما قال صلى الله عليه وسلم : «
** إن الله خلق آدم على
Page 204