Gharaib Ightirab
غرائب الاغتراب ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب
Genres
Geography
بل ووقف أيضًا على أن منهم من يؤول مع ذلك ما حف بالقرائن الدالة على المراد منه كالمعية في بعض الآيات المبتدأة بالعلم المختتمة به. والصوفية قدست أسرارهم لا يؤولون شيئًا من ذلك. وقالوا إن كل ذلك من باب التجلي في المظاهر مع بقاء التنزيه الذاتي والغناء المطلق. وبذلك يتم لهم القول بوحدة الوجود التي هي وراء طور العقل من طريق الفكر) وأنا أختار (فيما شاع بين العرب في معنى غير معناه اللغوي حمله عليه دون إبقاءه على معناه اللغوي مع نفي اللوازم أو تفويض العلم بالمراد على علام الغيوب ﷻ. وهو عندي نظرًا إلى ذلك المعنى الشائع في حكم المحكم. فإن القرآن نزل بلغة العرب وعلى استعمالهم وهم أول من خوطب به فلا يعدل في معناه عما تعارفوه فيه بينهم. ومثل ذلك المتشابه في الحديث. وكذا اختار التأويل كالخلف في نحو قوله عليه الصلوة والسلام) الحجر الأسود يمين الله تعالى في الأرض (وإن أعدل عنه قلت كإحدى فرقتي السلف ليس المراد معناه اللغوي بل معنى آخر يليق به سبحانه الله تعالى أعلم به. ولا أكاد أقول المعنى المراد اللغوي مجردًا عن لوازمه. ولا أظن الصوفي القائل بوحدة الوجود يقول ذلك أيضًا. وقد سمعت شيخي علاء الدين علي أفندي عليه الرحمة أن المتشابه عند السلف لا يراد منه معناه اللغوي جزمًا لما يلزمه من المحال عليه تعالى) بل المراد معنى لائق به تعالى هو سبحانه يعلمه ولا جزم له بكون ذلك المعنى مجازيًا أو كنائيًا بل يحتمل عنده أن يكون أمرًا آخر ليس بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة ما أصلًا. حتى أنه يجوز أن يكون المراد بالوجه في قوله تعالى) ويبقى وجه ربك (وقوله سبحانه) كل شيء هالك إلا وجهه (من لا يصعق عند النفخ المستثنى في قوله تعالى) فصعق من في السماوات ومن في الأرض (الآية وإن يكون المراد باليمين في الحديث المذكور آنفًا الدرة مثلًا والإضافة للتشريف كما في بيت الله وناقة الله. وهذا من الغرابة بمكان. ولم أر أحدًا ذكره. وقد اعترضته يوم سمعته بأن المعنى معين في علم الله تعالى ولا بد ومتى كان ذلك المعنى ليس بينه وبين المعنى الظاهر مناسبة ما كان إرادته منه دون إرادة آخر مثله في عدم المناسبة ترجيحًا بلا مرجح. ويلزم ذلك أيضًا في إرادته من اللفظ المعين دون إرادته من آخر ليس بينه وبينه مناسبة أيضًا. فقال رحمه الله تعالى يلزم مثل ذلك في وضع لفظٍ لمعنى ليس مناسبًا له. بناءً على الصحيح من أنه لا يشترط مناسبة اللفظ للمعنى في وضعه له. فوضع الحجر لمسماه ليس بأولى من وضع الذهب أو الشجر أو الفرس أو السرج لذلك المسمى) والجواب عن كل ذلك (بأنه كفي بالإرادة مرجحةً أو بأن هناك مرجحًا غيرها استأثر الله تعالى بعلمه. ويحتمل أن تكون المناسبة بوجه لا نعلمه ونفي المناسبة إنما هو بحسب علمنا. فقلت ماذا يقال للفظ بالنظر إلى ذلك المراد أحقيقة أم مجاز. فقال لا ولا. إن كان الاستعمال المأخوذ في تعريفي الحقيقة والمجاز بالنسبة إلينا وحقيقة إن كان أعم من ذلك مما هو بالنسبة إليه ﷿. وكان استعماله تعالى اللفظ فيه ابتداء. ومجاز إن كان الاستعمال أعم وكان استعماله تعالى بوضع ثان لعلاقة لكن استأثر الله تعالى بعلمها ويجوز أن يقال له منقول إن كان الاستعمال كما ذكر إلا أنه لا علاقة في نفس الأمر) ثم قلت (على احتمال كون مراده تعالى معنىً مجازيًا يلزم القرينة فحيث لا قرينة لا مكان لذلك الاحتمال. فقال اشتراط القرينة غير مجمع عليه فالأصوليون من الشافعية يقولون المجاز اللفظ المستعمل بوضع ثان. لعلاقةٍ ولا يزيدون مع قرينة. ومن هنا صح لهم القول بجواز أن يراد باللفظ الواحد حقيقته ومجازه معًا في وقت واحد. على أن من أزاد في تعريفه كالبيانين القرينة قيدها بالمانعة عن إرادة المعنى الموضوع له اللفظ أولًا. ولم يطلقها بحيث تعم القرينة المانعة عن إرادة ذلك والقرينة المعينة للمراد. والقرينة المانعة ليست منحصرة عندهم في اللفظية بل تعم العقلية وهي متحققة في المتشابه فقلت بناءً على ما ذكرت من مذهبهم فيه يحتمل أن يكون اللفظ مشتركًا بين معنى حقيقي. عندنا وآخر حقيقي عنده ﷿. وقد قالوا باحتياج استعمال المشترك في أحد معنييه إلى قرينة تعينه. فقال لأبدية القرينة في ذلك ممنوعة فقد يذكر المشترك مرادًا منه معنى معين في نفس الأمر خاليًا عن
1 / 192