217

قلت: وقد سلك طريقة الجوزجاني كثير من أتباعه في جرح الشيعة، وكأنهم يرون ذلك الجرح مصلحة دينية لدفع فساد ما يروون من فضائل علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام، بزعم النواصب الذين يعتقدون في تلك الروايات فسادا، لأنها في اعتقادهم تجر إلى الرفض على حد تعبيرهم، فكان جرحهم دفعا لتلك التي يرونها مفسدة لئلا يغتر بها الناس، وقد ظهر من مذهب بعض القوم جواز الكذب للمصلحة، كالكذب في الصلح وغيره.

قال ابن حجر في شرحه على البخاري ( ج 5 ص 220 ) في شرح حديث: (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا )).

قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح، وقالوا: إن الثلاثة المذكورة - أي: الصلح والحرب وكذب الرجل لزوجته - كالمثال.

وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة.

وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيء مطلقا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض، كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس، وهو يريد قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شيء، ويريد إن قدر الله ذلك وإن يظهر من نفسه قوة.

قال ابن حجر: وبالأول - أي: جواز الكذب لقصد الإصلاح مطلقا - جزم الخطابي وغيره، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما، وسيأتي في باب الكذب في الجهاد مزيد لهذا إن شاء الله تعالى.

واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل، هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين.

واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار، كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده، فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك ولا يأثم، والله أعلم. انتهى.

Page 217