فأجابوه: سبحان الله! ماذا يقول الناس؟ يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله ما نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.
فأرادت سلمى أن تقول قولا فإذا برجل رفع صوته بين الناس وقال: «نحن نتخلى عنك؟! وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟! أما والله حتى أطعن في صدروهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسله فيك. أما والله لو قد علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقي حسامي دونك، وكيف لا أفعل ذلك، وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا؟!»
فسألت سلمى عن القائل فقيل لها: إنه مسلم بن عوسجة، ثم سمعت غيره قال مثل قوله، فانتعشت آمالها وأعجبها ما رأته من الاتحاد والتفاني في سبيل الحق.
فأثنى الحسين عليهم، وتحول إلى خبائه، وتحول الباقون، وسارت سلمى إلى خباء زينب لتفتقد الطفل، وكان الليل قد أقبل، فإذا هو ما زال نائما، فسرت بنومه، ورأت زينب بجانب فراش المريض تمرضه فجلست إلى جانبها وقد انتعشت آمالها بما سمعته في ذلك المساء، وذهب كل إلى فراشه وبقيت زينب وسلمى ساهرتين تمرضان عليا، وتتحدثان.
وفيما هما تتكلمان همسا والليل هادئ، وعلي قد نام وهو يئن من شدة المرض سمعتا قائلا يقول:
يا دهر أف لك من خليل
كم لم بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل
Unknown page