قالت: بورك فيك يا بنية، ولكنني أرى أن أضجعه في الهودج ونحن على أهبة الرحيل.
قالت: إني أذهب في خدمته إلى حيث يسير. دعي أمر العناية به إلي واشتغلي بشئونك.
فأثنت عليها وتحولت إلى فراش علي الأوسط فأنهضته، وأمرت من معها من النساء والجواري أن يأخذن في شد الرحال.
وكان الرجال قد أخذوا في تقويض الخيام وتحميل الأحمال، وركب كل منهم في مركبه، وركبت سلمى في هودج مع زينب والطفل، وهي تشتاق إلى الاستفهام عن عبد الرحمن، ولكنها استحيت أن تسألها وهي في تلك الحال.
أقلع الركب وساروا في طريق وسط؛ بحيث تكون الكوفة إلى يمينهم، والحر ورجاله سائرون بالقرب منهم ليمنعوهم من الرجوع إذا أرادوه.
وكانت زينب وهي في الهودج تشرف من خلال الستور على أخيها ومن معه بعد هنيهة وتعود إلى مقعدها وهي تتأوه، فعلمت سلمى أنها إنما تفعل ذلك لعظم قلقها واضطرابها، فأرادت أن تسليها وتخفف عنها وهي تتوقع أن تستطرق إلى حديث حبيبها فقال: ما لي أراك في هذا الاضطراب يا مولاتي؟
فتنهدت زينب ونظرت إلى سلمى وقالت: تسألينني عن سبب اضطرابي وأنت ترين ما نحن فيه؟! ألا تعلمين أننا ذاهبون إلى القتل؟!
قالت: ولماذا تقولين هذا؟! أن الله ينصر نصراءه ويرفع كلمتهم.
قالت: صدقت يا بنية، ولكنك لو عرفت ما ينتظرنا في الكوفة وفي ضواحيها من الأهوال، وما هنالك من الأعداء وفيهم الفرسان والرجالة لعجبت لمسيرنا، ومعنا الأطفال والغلمان والنساء، وفيهم المرضى والضعفاء والرضع، وليس معنا من الرجال إلا إخوتي لأبي وهم ستة: العباس، وجعفر، وعبد الله، وعثمان، وعبيد الله، وأبو بكر، وما من أولاد أخي الحسين من يستطيع القتال إلا علي الأكبر، وهذا علي الأوسط غلام مريض، ومعنا من أبناء أخي الحسن رحمه الله اثنان صغيران هما أبو بكر والقاسم، وبضعة آخرون من أبناء عمي عقيل الذين قتل أخوهم مسلم في الكوفة. ثم تنهدت وقالت: آه لو تعلمين كيف قتلوه؟
فتذكرت سلمى مقتل مسلم وحان لها أن تظهر نفسها وتستطرق إلى حديث حبيبها، فقالت: إني أعلم بمقتل ذك الشهيد يا مولاتي.
Unknown page