فلما سمعت اسم حبيبها اختلج قلبها واصطكت ركبتاها وبغتت وقالت: وأي خبر عنه يا مولاي لم أسمعه بعد؟! واختنق صوتها وبكت.
قال: وماذا سمعت عنه؟
قالت: ألم أندبه بين يديك مرارا؟ آه يا مولاي! دعني من هذه الذكرى ولا تهج أشجاني. دعني أشغل عن الحزن بالانتقام، ودعني أمض لسبيلي لألاقي الحسين وأهل بيته وأنبئهم بالخطر الذي ينتظرهم.
قال: سيري يا بنية في حراسة الله، وأرجو أن تلاقي عبد الرحمن هناك.
فصاحت: ألاقي عبد الرحمن؟! وكيف ألاقيه وأنا حية؟! إلا إذا بعث في هذه الحياة الدنيا، وما سمعنا بالبعث إلا في الآخرة، لا أراك يا مولاي إلا ضاحكا مني هازئا بعواطفي. أو أنك تتنبأ بقرب أجلي لألقى حبيبي في الآخرة، فإذا كان ذلك فمرحبا بالموت، إنه حلو شهي. قالت ذلك وهي لا يخطر لها ببال أن يكون عبد الرحمن حيا، ولكن قلب المحب سريع الاطمئنان قريب التصديق، فأوحى إليها حبها أن الله قادر على إحيائه، وأن الشيخ الناسك لا يقول عبثا، على أن عقلها بقي يرى استحالة ذلك، فلبثت تتردد بين الأمرين.
أما هو فلما شاهد اضطرابها نظر إليها جادا وقال: إني لا ألقي القول جزافا يا سلمى، إن عبد الرحمن حي باق لم ينله كيد أولئك الأشرار.
فوثبت سلمى من مجلسها بغتة، وأحست كأن شعر رأسها وقف، واقشعر بدنها، وكاد الدم يجمد في عروقها، وصاحت في الشيخ وأمسكته بيده وهي تقول: بالله اصدقني الخبر يا مولاي ولا تهزأ بي؛ فإني أكاد أجن! قل لي: هل عبد الرحمن حي؟ عبد الرحمن! هل هو حي؟ حي مثلي ومثلك؟! قالت ذلك والدمع ملء عينيها، لا تدري أتضحك أم تبكي.
فخشي الشيخ أن يصيبها ضر، فأجابها بصوت خافت: نعم يا سلمى هو حي بإذن الله.
قالت: كيف ذلك وقد حققت مقتله من قبل؟ يا ربي ماذا أسمع؟ هل أنا في حلم؟ هل عبد الرحمن حي يمشي ويتكلم؟ هل أكلمه فيسمعني وألاقيه فيراني؟ آه يا عبد الرحمن! أأنت حي وأنا أندبك؟! إني أراني في حلم! ثم التفتت إلى ما يحدق بها من السهل القاحل كأنها تتحقق وجدانها وترامت على يدي الشيخ وجعلت تقبلهما والدمع يتساقط عليهما وهي تشهق من شدة البكاء وتقول: بالله يا سيدي اصدقني، أحي عبد الرحمن حقا؟ وهل أراه، وأين هو؟ قل لي يا مولاي. قل لي وأشفق على حياتي. عبد الرحمن حي؟! أين هو؟
فأمسكها الشيخ ويده ترتعش، وأوقفها وهو يتأمل حركاتها ويقرأ عواطفها، فدمعت عيناه وقال: احمدي الله يا سلمى، إن عبد الرحمن وعامرا على قيد الحياة، وهما مع الحسين، وأظنهما آتيين معه في طريقه هذه.
Unknown page