إلى أي درجات الكمال بلغتا؟:
قد بينت درجات الكمال في قوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾. وقد ذهب بعض الناس إلى أن كمال مريم وآسية ببلوغهما درجة النبوة. وذهب الأكثرون إلى أنهما لم تبلغا إليها، وإنما بلغتا ما دونها من رتبة الصديقية، واستدلوا بما تقتضيه رتبة النبوة من الظهور لهداية الناس وإرشادهم وذلك غير ما خلقت له المرأة، وهذا الحديث ليس نصا في كمال النبوة فلا تقوم الحجة. وقد جاء في صحيح مسلم من طريق علي- ﵁ قال: سمعت رسول الله- ﵌ يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة». فأخبر بخير نساء الدنيا في الأمم الماضية، وخير نساء الدنيا في هذه الأمة، فكما لم تكن هذه نبية، لم تكن تلك نبية. على ظاهر الفرق ما بينهما في الخيرية. وذهب قوم إلى نبوة مريم بدليل أن الملائكة خاطبتها باصطفاء الله لها وأمرها بالقنوت والسجود والركوع في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ وهذه هي النبوة: تبليغ الملائكة وحي الله بالاصطفاء والتكليف لمن يشاء من عباده. فهذا الدليل القوي دليل على خصوصية مريم البرة النقية ﵍ بهذه المزية بين بنات حواء كلهن.