جاءوا به في الخبر عن الجناب الإلهي ، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا (1) ما لا يستقل العقل بإدراكه ، وما يحيله (2) العقل رأسا ويقره به (85 -1) في التجلي(3) . فإذا خلا بعد التجلي بنفسه حار فيما رآه : فإن كان عبد رب رد العقل إليه ، وإن كان عبد نظر رد الحق إلى حكمه(4) . وهذا لا يكون إلا ما دام في هذه النشأة الدنيوية(5) محجوبا عن نشأته الأخروية في الدنيا. فإن العارفين يظهرون هنا(6) كأنهم في الصورة الدنيا لما يجري عليهم من أحكامها ، والله تعالى قد حولهم في بواطنهم في النشأة الأخزوية ، لا بد من ذلك . فهم بالصورة مجهولون الا لمن كشف الله عن بصيرته فأدرك. فما من عارف بالله من حيث التجلي الإلهي الا وهو على النشأة الآخرة : قد حشر في دنياه ونشر في قبره ؛ فهو يرى ما لا ترون ، ويشهد ما لا تشهدون ، عناية من الله ببعض عباده في ذلك . فمن أراد العثور على هذه الحكمة الإلياسية الإدريسية الذي أنشأه الله نشأتين ، فكان نبيا قبل نوح ثم رفع ونزل رسولا بعد ذلك ، فجمع الله له بين المنزلتين فلينزل عن حكم عقله إلى شهوته ، ويكون حيوانا مطلقا حق يكمشف ما تكشفه كل دابة ما عدا الثقلين ؛ فحينئذ يعلم أنه قد تحقق بحيوانيته . وعلامته علامتان الواحدة هذا الكشف ، فيرى من يعذب في قبره ومن ينعم ، ويرى الميت حيا والصامت متكلما والقاعد ماشيا . والعلامة الثانية الخرس بحيث إنه لو أراد أن ينطق بما رآه لم يقدر (85-_ب) فحينئذ يتحقق بجيوانيته . وكان لنا تلميذ قد حصل له هذا الكشف غير أنه لم يحفظ عليه الخرس فلم يتحقق بحيوانيته . ولما أقامني الله في هذا المقام تحققت بحيوانيتي تحققا كليا، فكنت أرى وأريد النطق
Page 186