Fusul Mukhtara
الفصول المختارة
Investigator
السيد نور الدين جعفريان الاصبهاني ، الشيخ يعقوب الجعفري ، الشيخ محسن الأحمدي
Edition Number
الثانية
Publication Year
1414 - 1993 م
Genres
الفصول المختارة من العيون والمحاسن تأليف:
السيد الشريف المرتضى (355 - 436 ه) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتوحد بالقدم، العام لجميع خلقه بالنعم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله معادن الدين والكرم، وسلم كثيرا.
سألت أيدك الله أن أجمع لك فصولا من كلام شيخنا ومولانا المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في المجالس، ونكتا من كتابه المعروف ب (العيون والمحاسن) لتستريح إلى قراءته في سفرك، وتنشر ذكره في مستقرك وبلدك، وقد أجبتك أيدك الله إلى ذلك إيثارا لوفاق مسرتك، ورغبة فيما عند الله سبحانه بإجابتك، والله الكريم يوفقك برحمته لذلك، ويتفضل بحراستك إنه قريب مجيب.
Page 16
فصل اتفق للشيخ المفيد أبي عبد الله أيده الله اجتماع مع القاضي أبي بكر أحمد بن سيار في دار السلام بدار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي رحمه الله، وكان بالحضرة جمع كثير يزيد عددهم على مائة إنسان، وفيهم أشراف من بني علي - عليه السلام - وبني العباس رحمة الله عليه، ومن وجوه الناس والتجار حضروا في قضاء حق للشريف رحمه الله فجرى من جماعة من القوم خوض في ذكر النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وتكلم الشيخ أبو عبد الله أيده الله في ذلك بكلام يسير على ما اقتضاه الحال فقال له القاضي أبو بكر أحمد بن سيار:
أخبرني ما النص في الحقيقة وما معنى هذه اللفظة؟
فقال له الشيخ أيده الله: النص هو الإظهار والإبانة من ذلك قولهم: فلان قد نص قلوصه إذا أبانها بالسير وأبرزها من جملة الإبل ولذلك سمي المفرش العالي منصة لأن الجالس عليه يبين بالظهور من الجماعة، فلما أظهره المفرش سمي منصة على ما ذكرناه، ومن ذلك أيضا قولهم قد نص فلان مذهبه إذا أظهره وأبانه ومنه قول امرء القيس:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش * إذا هي نصته ولا بمعطل يريد به إذا هي أظهرته وقد قيل إذا هي نصته والمعنى في هذا يرجع إلى
Page 18
الإظهار فأما هذه اللفظة فإنها قد جعلت مستعملة في الشريعة على المعنى الذي قدمت ومتى أردت حد المعنى منها قلت: حقيقة النص هو القول المنبئ عن المقول فيه على سبيل الإظهار.
فقال القاضي: ما أحسن ما قلت ولقد أصبت فيما أوضحت وكشفت فخبرني الآن إذا كان النبي (ص) قد نص على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - فقد أظهر فرض طاعته وإذا أظهره استحال أن يكون مخفيا، فما بالنا لا نعلمه إن كان الأمر على ما ذكرت في حد النص وحقيقته؟
فقال الشيخ أيده الله: أما الإظهار من النبي (ص) فقد وقع ولم يك خافيا في حال ظهوره، وكل من حضره فقد علمه ولم يرتب فيه ولا اشتبه عليه، فأما سؤالك عن علة فقدك العلم به الآن وفي هذا الزمان، فإن كنت لا تعلمه على ما أخبرت به عن نفسك فذلك لدخول الشبهة عليك في طريقه لعدولك عن وجه النظر في الدليل المفضي بك إلى حقيقته، ولو تأملت الحجة فيه بعين الإنصاف لعلمته. ولو كنت حاضرا في وقت إظهار النبي (ص) له لما أخللت بعلمه ولكن العلة في ذهابك عن اليقين فيه ما وصفناه.
فقال. وهل يجوز أن يظهر النبي (ص) شيئا في زمانه فيخفى على من ينشأ بعد وفاته حتى لا يعلمه إلا بنظر ثاقب واستدلال عليه؟
قال له الشيخ أيده الله تعالى: نعم يجوز ذلك، بل لا بد لمن غاب عن المقام في علم ما كان فيه من النظر والاستدلال. وليس يجوز أن يقع له به علم الاضطرار لأنه من جملة الغائبات غير أن الاستدلال في هذا الباب يختلف في الغموض والظهور والصعوبة والسهولة على حسب الأسباب المعترضات في طرقه وربما عرى طريق ذلك من سبب فيعلم بيسير من الاستدلال على وجه يشبه الاضطرار إلا أن
Page 19
طريق النص حصل فيه من الشبهات للأسباب التي اعترضته ما تعذر معها العلم به إلا بعد نظر ثاقب وطول زمان في الاستدلال.
فقال: فإذا كان الأمر على ما وصفت فما أنكرت أن يكون النبي (ص) قد نص على نبي آخر معه في زمانه أو نبي يقوم من بعده مقامه وأظهر ذلك وشهره على حد ما أظهر به إمامة أمير المؤمنين - طيه السلام - فذهب عنا علم ذلك كما ذهب عنا علم النص بأسبابه.
فقال الشيخ أيده الله: أنكرت ذلك من قبل أن العلم حاصل لي ولك ولكل مقر بالشرع ومنكر له، بكذب من ادعى ذلك على رسول الله (ص) ولو كان ذلك حقا لما عم الجميع علم بطلانه وكذب مدعيه ومضيفه إلى النبي (ص) ولو تعرى بعض العقلاء من سامعي الأخبار عن علم ذلك لاحتجت في إفساده إلى تكلف دليل غير ما وصفت لكن الدليل الذي ذكرت يغنيني عن اعتماد غيره، فإن كان النص على الإمامة نظيره فيجب أن يعم العلم ببطلانه جميع سامعي الأخبار حتى لا يختلف في اعتقاد ذلك اثنان، وفي تنازع الأمة فيه واعتقاد جماعة صحته والعلم به واعتقاد جماعة بطلانه، دليل على فرق ما بينه وبين ما عارضت به.
ثم قال الشيخ أيده الله: هلا أنصف القاضي من نفسه والتزم ما ألزمه خصومه فيما شاركهم فيه من نفي ما تفردوا به ففصل بينه وبين خصومه في قوله إن النبي (ص) قد نص على رجم الزاني وفعله، وموضع قطع السارق وفعله، وعلى صفة الطهارة والصلاة وحدود الصوم والحج والزكاة وفعل ذلك، وبينه وكرره وشهره. ثم التنازع موجود في ذلك وإنما يعلم الحق فيه وما عليه العمل من غيره، بضرب من الاستدلال. بل في قوله: إن انشقاق القمر لرسول الله (ص) كان ظاهرا في حياته ومشهورا في عصره وزمانه. وقد أنكر ذلك جماعة من المعتزلة وغيرهم من
Page 20
أهل الملل والملحدة وزعموا أن ذلك من توليد أصحاب السير ومؤلفي المغازي وناقلي الآثار وليس يمكنه أن يدعي على من خالف فيما ذكرناه علم الاضطرار وإنما يعتمد على غلطهم في الاستدلال. فما يؤمنه أن يكون النبي (ص) قد نص على نبي من بعده وإن عرى من العلم بذلك على سبيل الاضطرار؟ وبم يدفع أن يكون قد حصلت له شبهات حالت بينه وبين العلم بذلك كما حصل لخصومه فيما عددناه ووصفناه؟ وهذا ما لا فصل فيه.
فقال له: ليس يشبه أمر النص على أمير المؤمنين - عليه السلام - جميع ما ذكرت لأن فرض النص عندك فرض عام وما وقع فيه الاختلاف فيما قدمت فإنها فروض خاصة ولو كانت في العموم كهو لما وقع فيها الاختلاف.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: فقد انتقض الآن جميع ما اعتمدته وبان فساده واحتجت في الاعتماد إلى غيره وذلك أنك جعلت موجب العلم وسبب ارتفاع الخلاف، ظهور الشئ في زمان ما واشتهاره بين الملأ ولم تضم إلى ذلك غيره ولا شرطت فيه موصوفا سواه فلما نقضناه عليك ووضح لك دماره، عدلت إلى التعلق بعموم الفرض وخصوصه. ولم يك هذا جاريا فيما سلف والزيادة في الاعتلال انقطاع والانتقال من اعتماد إلى اعتماد أيضا انقطاع على أنه ما الذي يؤمنك أن ينص على نبي يحفظ شرعه ويكون فرض العمل به خاصا في العبادة كما كان الفرض فيما عددناه خاصا، فهل فيها من فصل يعقل؟ فلم يأت بشئ تجب حكايته.
Page 21
فصل وذكرت بحضرة الشيخ أبي عبد الله أدام الله عزه ما ذكره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي رحمه الله في كتاب (الإنصاف) حيث ذكر أن شيخا من المعتزلة أنكر أن تكون العرب تعرف المولى سيدا وإماما. قال: فأنشدته قول الأخطل:
فما وجدت فيها قريش لأمرها * أعف وأولى من أبيك وأمجدا وأورى بزنديه ولو كان غيره * غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا قال أبو جعف فأسكت الشيخ كأنما ألقم حجرا، وجعلت أستحسن ذلك.
فقال لي الشيخ أبو عبد الله أدام الله عزه: قد قال لي أيضا شيخ من المعتزلة:
إن الذي تدعونه من النص الجلي على أمير المؤمنين - عليه السلام - شئ حادث ولم يك معروفا عند متقدمي الشيعة ولا اعتمده أحد منهم في حجته وإنما بدأ به وادعاه ابن الراوندي في كتابه في الإمامة وناضل عليه ولم يسبقه إليه أحد، ولو كان معروفا فيما سلف لما أخل السيد إسماعيل بن محمد رحمه الله به في شعره ولا ترك ذكره في نظمه مع إغراقه في ذكر فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام - ومناقبه حتى تعلق بشاذ الحديث وأورد من الفضائل ما لم نسمع به إلا منه، فما باله إن كنتم صادقين لم يذكر النص الجلي ولا اعتمده في شئ من مقاله؟ وهو الأصل المعول عليه لو ثبت.
Page 22
فقلت له: قد ذهب عنك أيها الشيخ مواضع مقاله في ذلك لعدولك عن العناية برواية شعر هذا الرجل ولو كنت ممن صرف همته إلى تصفح قصائده لعرفت ما ذهب عليك من ذلك وأسكنتك المعرفة به عن الاعتماد على ما اعتمدته من خلو شعره على ما وصفت في استدلالك بذلك، وقد قال السيد إسماعيل بن محمد رحمه الله في قصيدته الرائية التي يقول في أولها:
الحمد لله حمدا كثيرا * ولي المحامد ربا غفورا حتى انتهى إلى قوله:
وفيهم علي وصي النبي * بمحضرهم قد دعاه أميرا وكان الخصيص به في الحياة * وصاهره واجتباه عشيرا أفلا ترى أنه قد أخبر في نظمه أن رسول الله (ص) دعا عليا - عليه السلام - في حياته بإمرة المؤمنين واحتج بذلك فيما ذكره من مناقبه - عليه السلام - فسكت الشيخ وكان منصفا.
فصل وحدثني الشيخ أبو عبد الله أيده الله قال أبو الحسن علي بن ميثم أبا الهذيل العلاف فقال له: أليس تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشر كله؟ فقال: نعم. قال: أفيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه؟ قال: لا. فقال له أبو الحسن رحمه الله: قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله؟. قال أبو الهذيل: أجل. قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد الرسول (ص) هل يعلم الخير كله والشر كله؟ قال: لا. قال له: فإبليس أعلم من إمامك إذن. فانقطع أبو الهذيل.
Page 23
وقال أبو الحسن علي بن ميثم يوما آخر لأبي الهذيل. أخبرني عمن أقر على نفسه بالكذب وشهادة الزور هل تجوز شهادته في ذلك المقام على آخرين؟ قال أبو الهذيل: لا يجوز ذلك. قال له أبو الحسن: أفلست تعلم أن الأنصار ادعت الإمرة لنفسها ثم أكذبت أنفسها في ذلك المقام وشهدت عليها بالزور ثم أقرت بها لأبي بكر وشهدت بها له. فكيف تجوز شهادة قوم قد أكذبوا أنفسهم وشهدوا عليها بالزور مع ما أخذنا رهنك به من القول في ذلك.
فقال لي الشيخ أيده الله: هذا كلام موجز في البيان والمعنى فيه على الايضاح أنه إذا كان الدليل عند من خالفنا على إمامة أبي بكر إجماع المهاجرين عليه فيما زعمه والأنصار وكان معترفا ببطلان شهادة الأنصار له من حيث أقرت على أنفسها بباطل ما ادعته من استحقاق الإمامة، فقد صار وجود شهادتهم كعدمها وحصل الشاهد بإمامة أبي بكر من بعض الأمة لا كلها، وبطل ما ادعوه من الاجماع عليها. ولا خلاف بيننا وبين خصومنا أن إجماع بعض الأمة ليس بحجة فيما ادعاه وإن الغلط جائز عليهم، وفي ذلك فساد الاستدلال على إمامة أبي بكر بما ادعاه القوم وعدم البرهان عليها من جميع الوجوه.
فصل وحدثني الشيخ أدام الله عزه قال. وحدث عن الحسين بن زيد (1)، قال:
حدثني مولاي، قال: كنت مع زيد بن علي - عليه السلام - بواسط فذكر قوم أبا بكر وعمر وعليا - عليه السلام - فقدموا أبا بكر وعمر عليه، فلما قاموا قال لي زيد رحمه الله:
قد سمعت كلام هؤلاء وقد قلت أبياتا فادفعها إليهم وهي.
Page 24
ومن شرف الأقوام يوما برأيه * فإن عليا شرفته المناقب وقول رسول الله والحق قوله * وإن زعمت منهم أنوف كواذب بأنك مني يا علي معالنا * كهارون من موسى أخ لي وصاحب دعاه ببدر فاستجاب لأمره * وما زال في ذات الإله يضارب فما زال يعلوهم بم وكأنه * شهاب تلقاه القوابس ثاقب وأخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا، قال: سأل رجل زين العابدين علي بن الحسين - عليه السلام، فقال له: يا بن رسول الله أخبرني بما ذا فضلتم الناس جميعا وسدتموهم، فقال له - عليه السلام -: أنا أخبرك بذلك، اعلم أن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة: إما رجل أسلم على يد جدنا رسول الله (ص) مولى لنا ونحن ساداته وإلينا يرجع بالولاء، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النار أو رجل أخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ولا رابع للقوم، فأي فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك؟
فصل ومن كلام الشيخ أدام الله عزه في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الاجماع، سأله المعروف بالكتبي فقال له: ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر؟
فقال له: الأدلة على ذلك كثيرة، وأنا أذكر لك منها دليلا يقرب إلى فهمك، وهو) أن الأمة مجمعه على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام وقد أجمعت الأمة على أن أبا بكر قال على المنبر: (وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني وإن اعوججت فقوموني) فاعترف بحاجته إلى رعيته، وفقره إليهم في تدبيره ولا خلاف بين ذوي العقول أن من احتاج إلى رعيته فهو إلى الإمام أحوج، وإذا ثبت حاجة أبي بكر إلى
Page 25
الإمام بطلت إمامته بالاجماع المنعقد على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام.
فلم يدر الكتبي بم يعترض وكان بالحضرة رجل من المعتزلة يعرف بعزرالة فقال: ما أنكرت على من قال لك: إن الأمة أيضا مجمعة على أن القاضي لا يحتاج إلى قاض، والأمير لا يحتاج إلى أمير فيجب على هذا الأصل أن توجب عصمة الأمراء والقضاة أو تخرج عن الاجماع.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: إن سكوت الأول أحسن من كلامك هذا! وما كنت أظن أنه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل أو تحمل نفسك عليه مع العلم يوهنه وذلك أنه لا إجماع فيما ذكرت بل الاجماع في ضده لأن الأمة متفقة على أن القاضي الذي هو دون الإمام، يحتاج إلى قاض هو الإمام، والأمير من قبل الإمام يحتاج إلى أمير هو الإمام وذلك مسقط ما تعلقت به. اللهم إلا أن تكون أشرت بالأمير والقاضي إلى نفس الإمام فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدمه أو أمير عليه، وإنما استغنى عن ذلك لعصمته وكماله فأين موضع إلزامك عافاك الله؟. فلم يأت بشئ فصل ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضا سأله رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشطوي، فقال له: أليس قد أجمعت الأمة على أن أبا بكر وعمر كان ظاهرهما الإسلام؟ فقال له الشيخ: نعم قد أجمعوا على أنهما قد كانا على ظاهر الإسلام زمانا فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام فليس في هذا إجماع للاتفاق على أنهما كانا على الشرك، ولوجود طائفة كثيرة العدد تقول:
Page 26
إنهما كانا بعد إظهارهما الإسلام على ظاهر كفر بجحد النص. وأنه كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي (ص). فقال الشطوي: قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت. وكنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: قد سمعت ما عندي، وقد علمت ما الذي أردت فلم أمكنك منه، ولكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه، أليس الأمة مجمعة على أنه من اعترف بالشك في دين الله والريب في نبوة رسول الله (ص) فقد اعترف بالكفر وأقر به على نفسه؟ فقال: بلى.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: فإن الأمة مجمعة لا خلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال: ما شككت منذ يوم أسلمت إلا يوم قاضي فيه رسول الله (ص) أهل مكة، فإني جئت إليه فقلت له: يا رسول الله ألست بنبي؟ فقال: بلى، فقلت:
ألسنا بالمؤمنين؟ قال: بلى، فقلت: فعلى م تعطي هذه الدنية من نفسك؟ فقال: إنها ليست بدنية ولكنها خير لك. فقلت له: أليس قد وعدتنا أن ندخل مكة؟ قال:
بلى. قلت: فما بالنا لا ندخلها؟ قال: أو عدتك أن تدخلها العام؟ قلت: لا، قال.
فسندخلها إن شاء الله تعالى. فاعترف بشكه في دين الله ونبوة رسول (ص) وذكر مواضع شكوكه وبين عن جهاتها وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد حصل الاجماع على كفره بعد إظهار الإيمان واعترافه بموجب ذلك على نفسه. ثم ادعى خصومنا من الناصبة أنه تيقن بعد الشك ورجع إلى الإيمان بعد الكفر فأطرحنا قولهم لعدم البرهان عليه واعتمدنا على الاجماع فيما ذكرناه.
فلم يأت بشئ أكثر من أن قال: ما كنت أظن أن أحدا يدعي الاجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن.
فقال الشيخ أدام الله عزه: فالآن قد علمت ذلك وتحققته ولعمري إن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد فإن كان عندك شئ فأورده. فلم يأت بشئ.
Page 27
فصل وأخبرني الشيخ أدام الله عزه قال: دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له: يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة؟
فقال ضرار: هلم من شئت.
فبعث إلى هشام بن الحكم رحمه الله فأحضره فقال له: يا أبا محمد هذا ضرار وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلمه في الإمامة. فقال له: نعم.
ثم أقبل على ضرار، فقال: يا أبا عمرو خبرني على ما تجب الولاية والبراءة أعلى الظاهر أم على الباطن؟ فقال ضرار: بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي قال هشام: صدقت. فأخبرني الآن أي الرجلين كان أذب عن وجه رسول الله (ص) بالسيف وأقتل لأعداء الله بين يديه وأكثر آثارا في الجهاد أعلي بن أبي طالب أو أبو بكر؟ فقال: بل علي بن أبي طالب، ولكن أبا بكر كان أشد يقينا. فقال هشام.
هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه وقد اعترفت لعلي - عليه السلام - بظاهر عمله من الولاية وأنه يستحق بها من الولاية ما لم يجب لأبي بكر فقال ضرار هذا هو الظاهر نعم.
ثم قال له هشام: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع؟ فقال له ضرار بلى فقال له هشام: ألست تعلم أن رسول الله (ص) قال لعلي:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ قال ضرار نعم. قال هشام: أفيجوز أن يقول له هذا القول إلا وهو عنده في الباطن مؤمن؟ قال: لا.
قال هشام: فقد صح لعلي - عليه السلام - ظاهره وباطنه ولم يصح لصاحبك لا ظاهر ولا باطن والحمد لله.
Page 28
فصل وأخبرني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال: جاء ضرار إلى أبي الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقال له: يا أبا الحسن قد جئتك مناظرا. فقال له أبو الحسن: وفيم تناظرني؟ فقال: في الإمامة فقال. ما جئتني والله مناظرا ولكنك جئت متحكما.
قال له ضرار: ومن أين لك ذلك؟ قال أبو الحسن. علي البيان عنه، أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلى حد يغمض فيه الكلام فتتوجه الحجة على الخصم فيجهل ذلك أو يعاند وإن لم يشعر بذلك أكثر مستمعيه بل كلهم. ولكني أدعوك إلى منصفة من القول وهو أن تختار أحد الأمرين: إما أن تقبل قولي في صاحبي وأقبل قولك في صاحبك فهذه واحدة. قال ضرار لا أفعل ذلك. قال له أبو الحسن: ولم لا تفعله؟ قال: لأنني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت لي إنه كان وصي رسول الله (ص) وأفضل من خلفه وخليفته على قومه وسيد المسلمين فلا ينفعني بعد أن قبلت ذلك منك أن صاحبي كان صديقا واختاره المسلمون إماما لأن الذي قبلته منك يفسد هذا علي. قال له أبو الحسن: فاقبل قولي في صاحبك وأقبل قولك في صاحبي، قال ضرار وهذا لا يمكن أيضا لأني إذا قبلت قولك في صاحبي، قلت لي كان ضالا مضلا ظالما لآل محمد - عليهم السلام - قعد في غير مجلسه ودفع الإمام عن حقه وكان في عصر النبي في منافقا، فلا ينفعني قبولك قولي فيه أنه كان خيرا صالحا وصاحبا أمينا لأنه قد انتقض بقبولي قولك فيه، بعد ذلك أنه كان ضالا مضلا. فقال له أبو الحسن رحمه الله. فإذا كنت لا تقبل قولك في صاحبك ولا قولي فيه ولا قولك في صاحبي فما جئتني إلا متحكما ولم تأتني مباحثا مناظرا.
Page 29
فصل ومن كلام الشيخ أيده الله أيضا. وحضر الشيخ أدام الله عزه مجلسا للنقيب أبي الحسن العمري أدام الله عزه وكان بالحضرة جمع كثير، وفيه القاضي أبو محمد العماني وأبو بكر بن الدقاق فتخاوضوا في ضروب من الحكايات فجرى ذكر الحسد. فقال أبو بكر سئل الحسن البصري فقيل له: أيها الشيخ هل يكون في أهل الإيمان حسد؟ فقال: سبحان الله أما علمتم ما جرى بين إخوة يوسف ويوسف - عليه السلام -، أو ما قرأتم قصتهم في محكم القرآن، فكيف يجوز أن يخرج الحسد عن الإيمان؟ فاستحسن هذه الحكاية أبو محمد العماني وهو معتزلي المذهب والحاكي أيضا من المعتزلة.
فقال الشيخ أدام الله عزه لهم: إن نفس هذا الاستدلال الذي استحسنتموه يوجب أن تكون كبائر الذنوب لا تخرج أيضا عن الإيمان وذلك أنه لا خلاف أن ما صنعه إخوة يوسف - عليه السلام - بأخيهم من إلقائه في غيابة الجب وبيعه بالثمن البخس وكذبهم على الذئب وما أوصلوه إلى قلب أبيهم نبي الله يعقوب - عليه السلام - من الحزن كان كبيرا من الذنوب. وقد قص الله تعالى قصتهم وأخبر عن سؤالهم أباهم الاستغفار عند توبتهم وندمهم، فإن كان الحسد لا يخرج عن الإيمان بما حكي عن الحسن من الاستدلال فالكبير من الذنوب أيضا لا يخرج عن الإيمان بذلك بعينه، وهذا نقض مذهب أهل الاعتزال فلم يرد أحد منهم جوابا.
Page 30
فصل ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضا حضر في دار الشريف أبي عبد الله محمد ابن محمد بن طاهر رحمه الله، وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فقهائها فقال له الورثاني: أليس من مذهبك أن رسول الله (ص) كان معصوما من الخطأ، مبرأ من الزلل مأمونا عليه من السهو والغلط، كاملا بنفسه غنيا عن رعيته؟
- فقال له الشيخ أيده الله: بلى كذلك كان (ص) قال له: فما تصنع في قول الله جل جلاله * (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) * (1). أليس قد أمره الله بالاستعانة بهم في الرأي وأفقره إليهم، فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي (ص)؟
فقال له الشيخ أدام الله عزه: إن رسول الله (ص) يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم ولحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الايضاح عما أخبرتك به، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله (ص) كان معصوما من الكبائر والصغائر وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا وأوفرهم عقلا وأكملهم تدبيرا، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله عز وجل والتهذيب والإنباء له عن المصالح، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته لأنه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه وأجود تدبيرا وأكمل عقلا أو ظن ذلك، فأما إذا أحاط
Page 31
علما بأنه دونه فيما وصفناه، لم يكن للاستعانة في تدبيره برأيه معنى لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال، كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم والآية بينة يدل متضمنها على ذلك ألا ترى إلى قوله تعالى:
* (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) * فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم، ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستعانة برأيهم لقال له: فإذا أشاروا عليك فاعمل وإذا اجتمع رأيهم على شئ فامضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص، به فلقا جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته.
فأما وجه دعائهم إلى المشورة عليه (ص) فإن الله أمره أن يتألفهم بمشورتهم ويعلمهم بما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدبوا بآداب الله عز وجل فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم، على أن هاهنا وجها آخر بينا وهو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويسر خلافه ويبطن مقته ويسعى في هدم أمره ويناقضه في دينه ولم يعرفه بأعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم، فقال عز اسمه: * (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) * (1) وقال جل اسمه: * (وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) * (2) وقال تبارك اسمه: * (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا منهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) * (3) وقال: * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون) * (4) وقال عز من قائل. * (وإذا رأيتهم
Page 32
تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) * (1) وقال جل جلاله:
* (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) * (2)، * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * (3).
ثم قال سبحانه بعد أن أنبأه عنهم في الجملة * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم ي لحن القول) * (4) فدله عليهم بمقالهم وجعل الطريق إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم، ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإن الناصح تبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله، فاستشارهم (ص) لذلك، ولأن الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم.
ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه (ص) في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله تعالى ذلك له وذمهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه، فقال جل وتعالى * (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) * (5) فوجه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسوله (ص) عن حالهم فيعلم أن المشورة لهم لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنما كانت لما ذكرناه.
Page 33
فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي وكان حاضرا: يا سبحان الله أترى أن أبا بكر وعمر كانا من أهل النفاق؟ كلا ما نظن أنك أيدك الله تطلق هذا وما رأينا أن النبي (ص) استشار ببدر غيرهما، فإن كانا هما من المنافقين فهذا ما لا نصبر عليه ولا نقوى على استماعه، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الأول، وهو أن النبي (ص) أراد أن يتألفهم بالمشورة ويعلمهم كيف يصنعون في أمورهم.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شئ وإنما هو استكبار واستعظام معدول به عن الحجة والبرهان ولم نذكر إنسانا بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ وكان غنيا عن تفصيله.
فصاح الورثاني وأعلى صوته بالصياح يقول: الصحابة أجل قدرا من أن يكونوا من أهل النفاق وسيما الصديق والفاروق، وأخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة والعامة وأهل الشغب والفتن.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: دع عنك الضجيج وتخلص مما أوردته عليك من البرهان واحتل لنفسك وللقوم فقد بان الحق وزهق الباطل بأهون سعي والحمد لله.
فصل ومن كلام الشيخ أدام الله عزه وقد سأله بعض أصحابه فقال له: إن المعتزلة والحشوية يدعون أن جلوس أبي بكر وعمر مع رسول الله (ص) في العريش كان أفضل من جهاد أمير المؤمنين - عليه السلام - بالسيف لأنهما كانا مع النبي (ص) في مستقره يدبران الأمر معه ولولا أنهما أفضل الخلق عنده لما اختصهما بالجلوس معه
Page 34
فبأي شئ يدفع هذا؟
فقال له الشيخ أدام الله عزه: سبيل هذا القول أن يعكس وهذه القضية أن تقلب وذلك أن النبي (ص) لو علم أنهما لو كانا في جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الأقران ويقتلان الأبطال ويحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب، لما حال بينهما وبين هذه المنزلة التي هي أجل وأشرف وأعلى وأسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب حيث يقول الله سبحانه: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * (1).
فلما رأينا الرسول (ص) قد منعهما هذه الفضيلة وأجلسهما معه، علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضا له لأفسدا، إما بأن ينهزما، أو يوليا الدبر كما صنعا في يوم أحد وخيبر وحنين، فكان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين ولا يؤمن وقوع الوهن فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم، أو كانا لفرط ما يلحقهما من الخوف والجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين أو غير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى، ولعله لطف للأمة بأن أمر نبيه (ص) بحبسهما عن القتال، فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما، فقد ثبت أنه كان كاملا وأنهما كانا ناقصين عن كماله، وكان معصوما وكانا غي معصومين، وكان مؤيدا بالملائكة وكانا غير مؤيدين، وكان يوحى إليه وينزل القرآن عليه ولم يكونا كذلك، فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لولا عمى القلوب وضعف الرأي وقلة الدين.
Page 35
والذي يكشف لك عن صحة ما ذكرناه آنفا في وجه إجلاسهما معه في العريش، قول الله سبحانه: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن) * الآية (1)، فلا يخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين، فإن كانا مؤمنين، فقد اشترى الله أنفسهما منهما بالجنة، على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أو قتل غيرهما لهما، ولو كانا كذلك لما حال النبي (ص) بينهما وبين الوفاء بشرط الله عليهما من القتل، وفي منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون، فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليهما ودليل على نقصهما وأنه بالضد مما توهموه لهما والمنة لله.
فصل وحدثني الشيخ أدام الله عزه فقال: لما حج الرشيد ونزل المدينة اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا المهاجرين والأنصار ووجوه الناس، وكان في القوم سيدنا أبو الحسن موسى بن جعفر - عليهما السلام - فقال لهم الرشيد: قوموا إلى زيارة رسول الله.
قال: ثم نهض معتمدا على يد أبي الحسن موسى بن جعفر - عليهما السلام - حتى انتهى إلى قبر رسول الله (ص) فوقف ثم قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا بن عم - افتخارا على قبائل العرب الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب - قال: فنزع أبو الحسن موسى - عليه السلام - يده من يده ثم تقدم فقال:
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبة، قال: فتغير لون الرشيد ثم قال:
يا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر الجسيم.
Page 36