بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي عرفنا نبذة من الأصول الكلية، وفتح لنا أبواب العلم بالأحكام الجزئية والصلاة والسلام على محمد وآله خير البرية. (1) وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني، محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين الحر العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي: قد سألني بعض صلحاء الفضلاء وفضلاء الصلحاء بل أمرني بعض علماء السادات وسادات العلماء بتأليف كتاب يشتمل على الأصول الكلية المروية والأبواب الموصلة إلى الأحكام الجزئية لما علموا من زيادة نفع تلك الكليات بالنسبة إلى النص الخاص ومزيد الاحتياج إليها من العوام والخواص ولما. رجوا أن لا يبقى حكم من الأحكام إلا فيه نص خاص أو عام ولا مطلب مشكل مبهم إلا ومعه ما يزيل عنه الإشكال والإبهام فماطلتهم عن ذلك مدة من الزمان لكثرة العوايق والعلائق من طوارق الحدثان ثم لم أجد بدا من الشروع في هذا المطلب العظيم الشأن لما رأيت فيه من النفع لي وللإخوان فشرعت في جمعه وتأليفه والله المستعان.

Page 77

وأرجو أن يزيد على ألف باب يفتح كل باب منها ألف باب، عسى أن تدخل فيه الأبواب المروية في هذا الباب ولا أنقل الأحاديث فيه إلا من الكتب الصحيحة المعتمدة والأصول المعتبرة الممهدة التي يجوز الاعتماد في الأحكام الشرعية عليها ويجب الرجوع في الأصول والفروع إليها.

وأبتدأ باسم صاحب الكتاب الذي أنقل الحديث منه ثم أعطف عليه ما بعده وأشير إلى الأسانيد الخارجة عنه وقد ذكرت الأسانيد إلى رواية تلك المصنفات والطرق إلى نقل تلك المؤلفات في آخر كتاب تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة.

وربما اقتصرت في أحاديث بعض الأبواب على القليل وأحيل على ما أوردته في ذلك الكتاب الجليل أو روي في غيره خوفا من التطويل والله الهادي إلى سواء السبيل.

ويليق أن يسمى هذا الكتاب بكتاب (الفصول المهمة في أصول الأئمة (ع) وقد ذكرت نبذة مما يحتاج إليه للاعتماد على أحاديث هذه الأبواب في الفوائد التي اشتملت عليها خاتمة ذلك الكتاب وفي أوائل كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات فارجع إلى تلك المواضع إن أردت معرفة كل إسناد وزيادة الوثوق والاعتماد والله الموفق للسداد.

والمسؤول تسهيل الوصول إلى المرام والمراد والمأمول أن يتفضل علينا بمزيد الارشاد ويمن علينا بالإسعاف والإسعاد ويجعل سعينا كله ذخيرة للفوز في المعاد والقرب من محمد وآله أشرف العباد وأن نكون في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام، وأرجو ببركتهم أن يكون هذا الكتاب لا نظير له في فنه ولا شبيه له في حسنه فقد بذلت الجهد في جمعه وترتيبه واختصاره وتهذيبه فاعتمد في دينك على هذه الأحاديث الصحيحة المعتمدة وارجع إلى هذه القواعد

Page 78

الكلية المروية والأصول الممهدة الثابتة بالنصوص المتواترة المروية عن العترة الطاهرة و (1) بالقرائن القطعية الواضحة والأدلة القوية الراجحة وأعمل بما ثبت من المطالب الدينية عن أهل العصمة الذين لا يخشى على (2) من التزم بالتمسك بهم زلة (3) ولا وصمة واستغن عن الاستنباطات الظنية والأدلة الضعيفة العقلية، والطريقة التي اخترعها (4) العامة بعقولهم الناقصة وأرادوا بها الاستغناء عن الأئمة والبعد عن طريقة خواص الخاصة وإن غفل عن فساد أكثرها بعض المتأخرين من الإمامية فاستلزم ذلك مخالفة الأحاديث الصحيحة في بعض جزئيات الأحكام الشرعية.

وسأذكر أولا فوائد لا بد منها قبل الشروع في ذكر الكليات، ثم أذكر الكليات المتعلقة بأصول الدين ثم المتعلقة بأصول الفقه ثم المتعلقة بفروع الفقه ثم المتعلقة بالطب ثم نوادر الكليات إن شاء الله تعالى.

Page 79

مقدمة تشتمل على فوائد مهمة اثنتي عشرة تبركا بالعدد (أ) لا خلاف بين العقلاء فرط حجية النص العام الظاهر العموم، في أفراده الظاهرة الفردية ويأتي بعض ما يدل على ذلك من الأخبار إن شاء الله تعالى.

واستدلال الأئمة (ع) بالنص العام أكثر من أن يحصى حتى قد ورد في أحاديث كثيرة، استعمال لفظ النسخ في التخصيص، بناء على أن العام دال على جميع أفراده وكثير من تلك الأحاديث الشريفة المروية عن الأئمة (ع) موجود في الكتب الأربعة في كتاب النكاح وغيره، بل لا يوجد في الكتاب والسنة إلا النص العام في أفراد المكلفين أو الزمان أو المكان أو الحالات أو نحو ذلك فلو لم يكن حجة لما أمكن العمل بشئ. إلا ترى أنه لا توجد (1) آية ولا رواية بأن الصلاة مثلا واجبة على فلان بن فلان في زمان الغيبة الكبرى في سنة كذا في شهر كذا، في بلد كذا في يوم كذا في محلة كذا في حالة كذا ولا اتفق ذلك أيضا في زمان النبي والأئمة (ع) بل كان تبليغ الأحكام إلى جميع الأنام بالنص العام فلا ترى نصا خاصا إلا بالنسبة إلى ما هو أعم منه، إلا ترى إلى قوله تعالى على وجه الانكار على الكفار: (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة)، وحينئذ فالأحكام كلها

Page 81

والنصوص بأسرها كلية من جميع الجهات أر من بعضها لكني لم أذكر إلا (1) الكليات التي يترتب عليها أحكام كثيرة مهمة كلية أيضا في الجملة من جهة أخرى كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.

وقال الشهيد الثاني قدس سره في تمهيد القواعد: دلالة العام على أفراده كلية أي يدل على كل واحد منها دلالة تامة ويعبر عنها أيضا بالكلي التفصيلي والكلي العددي، انتهى.

وذكر جماعة من المحققين: أن العام نص في أفراده وتبادر الفهم إلى العموم ظاهر وكون تبادر الفهم علامة الحقيقة واضح وكذا كون المجاز موقوفا على القرينة وهذه الوجوه كلها مؤيدة للأحاديث المتواترة الآتية إن شاء الله تعالى.

(ب) قال الشيخ حسن رحمه الله في المعالم: الحق أن (2) للعموم في لغة العرب صيغة تخصه وهو اختيار الشيخ و (3) المحقق والعلامة وجماعة من المحققين.

وقال السيد المرتضى وجماعة: أنه ليس له لفظ موضوع إذا استعمل في غيره كان مجازا بل هو مشترك، ونص السيد على أن تلك الصيغ نقلت في عرف الشرع إلى العموم، انتهى.

أقول: فقد صار النزاع لفظيا في الألفاظ الواقعة في الكتاب والسنة، والخلاف في كونه حقيقة لغوية أو عرفية شرعية، ونقل عن بعضهم أنها حقيقة في الخصوص، مجاز في العموم، ثم استدل على الأول بتبادر الفهم وبأنه لولاه كان قولك: " رأيت الناس كلهم أجمعين " مؤكدا للاشتباه مع أنه لا يفهم منه إلا زوال الاشتباه وتوكيد العموم.

أقول: نص علماء العربية أو أكثرهم على أن هذه الألفاظ وضعت للعموم،

Page 82