Fusul Min Falsafa Siniyya
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
Genres
ولدينا من تاريخ الصين أمثلة على فشل التطرف في سن القوانين والعقوبات الرادعة؛ ففي أواسط القرن الرابع قبل الميلاد بدأت دولة تشن بمشروع طموح يهدف إلى التوسع الدائم على حساب بقية الدويلات المتحاربة وصولا إلى توحيد البلاد، وقام رجل الدولة المتميز شانغ يانغ بإصلاحات في بنية الجيش والمجتمع بالاعتماد على أفكار المدرسة الشرائعية، التي يقول معلموها بأن نظام الدولة يجب أن يقوم على منظومة صارمة من الشرائع والقوانين التي يرعى الحاكم تطبيقها مستعينا بأشد العقوبات الرادعة. وقد قام ملك تشن بإلغاء ألقاب النبالة التقليدية المستمدة من النسب، وما يتمتع به حاملوها من مزايا معنوية ومادية، وأعاد توزيع تلك الألقاب وفقا للمنجزات الحربية، فكان على النبلاء استعادة مراكزهم السابقة في ميادين القتال، وإلا تم إنزالهم إلى مستوى العامة.
على أن التوسع العسكري ترافق مع زيادة معدلات الجريمة وانتشار اللصوص وقطاع الطرق لا يردعهم عن غايتهم رادع، وكلما تشددت السلطة في تطبيق العقوبات ارتفعت معدلات الجريمة. وعندما أفلحت الأسرة الحاكمة في تشن أخيرا في توحيد الصين وتشكيل أول إمبراطورية حقيقية في تاريخ الصين عام 221ق.م.، أعلن الإمبراطور الأول المدعو تشن شي هوانغ أنه أسس لأسرة إمبراطورية سوف يدوم حكمها ألف عام، ولكن حكم هذا الإمبراطور تميز بالطغيان والاستبداد، وعندما توفي بعد عشر سنوات، شاعت الاضطرابات في الدولة وقامت ثورة شعبية عارمة ضد خليفته انتهت بالقضاء على أسرة تشن عام 206ق.م. قبل أن تكمل عقدين اثنين فقط من حكمها، وجرى رفع حاكم دولة تشو المدعو ليو بانغ إمبراطورا، وقد أسس هذا الحاكم لسلالة إمبراطورية جديدة حكمت لأربعة قرون قادمة هي أسرة هان.
عندما دخل ليو بانغ مدينة شي آن عاصمة أسرة تشن، أعلن بيانه السياسي الذي ندد فيه بكل وسائل القمع السابقة، وألغى القوانين التعسفية التي سنتها أسرة تشن ولم يبق منها إلا على ثلاثة قوانين فقط. وكان على المحاكم أن تستخدم روح هذه القوانين لا حرفيتها، وتتعامل مع كل جريمة وفق ظروفها وملابساتها الخاصة. ويقول مؤرخو تلك الفترة إن الأمن والاستقرار ساد البلاد بعد ذلك لمدة طويلة من الزمن.
كل هذا يأتي في اتفاق مع قول لاو تسو على لسان الحاكم المثالي الذي يدعوه بالحكيم:
لا أقوم بأي فعل، والناس يتغيرون من تلقاء ذاتهم.
أميل إلى حال السكون، والناس ينصلحون من تلقاء ذاتهم.
ألزم عدم التدخل، والناس ينعمون من تلقاء ذاتهم.
أتحرر من الرغبات، والناس يصيرون بسطاء كالجلمود الخام (الفصل 57).
ومن أهم ما يتمتع به الحاكم من صفات هو التواضع:
في حكم الناس وخدمة السماء
Unknown page