91

Fusul Gharawiyya

الفصول الغروية في الأصول الفقهية

Publication Year

1404 AH

إلى أصالة عدمه في غيره لكن يرد أن ذلك إنما يتم إذا لم يكن هناك ما يدل على وجوب الصوم مطلقا من غير اعتبار حضور شئ من الأوقات من الآيات والاخبار وهو غير واضح بل قضية تلك الاطلاقات إطلاق الوجوب في جميع الأوقات والأحوال وإن كان فعل الواجب مقيدا بحضور وقت مخصوص فإذن يتجه القول بوجوب الغسل له مطلقا لكن بعد دخول الليل كما هو ظاهر آخرين وهي تضيق الوقت بتضييق الوقت نعم لا يقع فعله على وجه الوجوب الغيري إلا إذا ترتب عليه فعل الصوم الواجب كسائر المقدمات على ما مر تحقيقه فلا يجوز قصد الوجوب به مع العلم أو الظن بعدم ترتبه عليه وفي الشك وجهان وحيث قد خفي هذه الدقيقة على كثير من أفاضل أصحابنا حيث لم يفرقوا بين زمن الوجوب وزمن الفعل فزعموا أن زمن الوجوب هو زمن الفعل أشكل عليهم الحال في المسألة المذكورة حتى تفصى عنه بعضهم بإلزام وجوب الغسل لنفسه مع أنه كما ترى مما لا جدوى له في ثبوت التكليف والعصيان بالصوم على تقدير المخالفة في الغسل نعم يمكن توجيهه في ترتب عقوبة عليه بالتقريب الذي مر التنبيه عليه في آخر المقصد لكن لإشارة في كلامهم إليه و المنكرون لوجوبه النفسي قد تخلصوا عنه بوجوه أخر غير موجهة منها ما حكاه بعضهم عن ابن إدريس من منع التوقف مع تسليمه لبطلان الصوم بدونه زعما منه أن الصوم الواجب يتم بالغسل بنية الندب أيضا فلا يتوقف على قصد الوجوب به وضعفه ظاهر لورود النقض عليه بسائر المقدمات فإن فعل الواجب إنما يتوقف على فعلها لا على فعلها بنية الوجوب والحل مشترك وهو أن المقدمة الواجبة هي ما يتوقف على فعلها فعل الواجب لا ما يتوقف فعله على فعلها بنية الوجوب ومنها ما زعمه بعضهم من أنه إذا بقي لطلوع الفجر بقدر ما يغتسل فيه فهذا الزمان منزل منزلة حضور الوقت فيجب الغسل فيه وهذا أيضا ضعيف لأنه إذا كان زمن وجوب الصوم واقعا هو أول الفجر يغتسل كما هو المفروض فالتنزيل المذكور مما لا يعقل له وجه لان الاحكام العقلية مبنية على التحقيق لا على التسامح ومنها ما توهمه بعض أفاضل المتأخرين من أن وجوبه للتوطين على إدراك الفجر طاهرا وهذا أيضا ضعيف لأنه إن أراد بالتوطين التهيؤ للصوم بفعل ما يعتبر في صحته من الغسل وغيره فمصادرة وإن أراد به العزم على فعل الصوم فهذا وإن توقف في حق العالم بالحال على فعل الغسل لامتناع العزم على الصوم الصحيح مع العلم بوجود المانع إلا أن وجوب العزم تابع لوجوب الفعل ولا يعقل وجوب الصوم المشروط بالفجر في حق المحدث حتى يجب عليه العزم عليه مع أن وجوب العزم على فعل الواجب المشروط قبل حصول شرطه في محل المنع ومنها ما تخيله بعض أفاضل متأخر المتأخرين وهو أن مقدمة الواجب يصح أن يتصف بالوجوب الغيري قبل أن يتصف ما وجبت له به واحتج عليه بقضاء الضرورة به حيث لا يسع وقت الفعل لفعل المقدمة كالحج بالنسبة إلى قطع المسافة وهذا أيضا ضعيف لاطباق كلمة الأصوليين على عدم وجوب مقدمة الواجب المشروط من حيث كونه مقدمة له قبل حصول شرطه فحكمه بوجوبها له حينئذ خرق لاجماعهم المطابق لما يشهد به صريح العقل كما مر بيانه وما ذكره من مثال الحج فغير مطابق للدعوى لان وجوب الحج غير مشروط بحضور زمانه بل بالاستطاعة ومتى حصلت وجب الحج وإن تأخر زمن فعله وما ذكره في عدم وجوب الطهارة للصلاة قبل وقتها من أنه خرج بالاجماع غير سديد لان وجوب الواجب يقتضي وجوب جميع مقدماته المقدورة الخالية عن صفة القبح ولو بعد صيرورتها مقدمة وجوبا فعليا بقول مطلق فإن عممنا ذلك إلى الواجب المشروط امتنع تخصيصه بالطهارة لخلوها عن صفة القبح قبل دخول الوقت وإلا لم تكن مندوبة والقواعد العقلية لا تقبل التخصيص وبالجملة فمنشأ هذه الخيالات ما أشرنا إليه من عدم الفرق بين زمن الوجوب وزمن الواجب وبعد الوقوف على ذلك ببياننا المتقدم يتبين كيفية التخلص عن الاشكال المذكور بما لا مزيد عليه فصل اختلفوا في أن الامر بالشئ هل يقتضي النهي عن ضده أو لا ولا بد قبل الخوض في تحرير النزاع من بيان محله فنقول ضد المأمور به هو ما لا يمكن اجتماعه معه لذاته فيتناول أضداده الوجودية و العدمية من العقلية والشرعية والعادية وإنما قلنا لذاته احترازا عن لوازم الضد فإنها لا تسمى ضدا وإن امتنع اجتماعهما مع فعل المأمور به ومن التزم بلزوم تساوي المتلازمين في الحكم مطلقا أو حيث يكون بينهما علية أو تشارك في العلة فإن التزم في المقام بالاقتضاء لزمه القول به في لوازم الضد أيضا على مقتضي أصله وحيث أفردنا بيان ذلك فلا حاجة إلى تعميم المقام إليه وقد تداول بينهم أن يعتبروا عن الترك بالضد العام وعن غيره بالضد الخاص وتسمية الأول ضدا إما حقيقة عرفية أو مجازا نظرا إلى العلاقة وزعم بعضهم أن من فسر الترك بالكف فقد استراح عن ذلك وكان الضد عنده على معناه المعروف وهو غير واضح لان الضدين بالمعنى المعروف هما الوصفان الوجوديان اللذان يمتنع تواردهما معا على محل واحد لذاتهما وهذا يقتضي أن يصح ورود كل منهما على ما يصح ورود الاخر عليه لئلا يكون التنافي باعتبار المورد كالعلم والسواد وظاهر أن الكف وفعل الضد لا يتوارد أن غالبا على محل واحد لان الأول من صفات النفس والثاني من عوارض الجوارح وكذا إن أخذا بمعنى التأثير وقلنا بأنه عين الأثر ذاتا وإلا فالمخالفة أوضح لظهور أن التأثيرين لا يتنافيان من حيث ذاتهما بل من حيث تنافي الاثرين ويمكن أخذهما بالمعنى الأول يجعل الوصف للنوع أو الفرد فيرتفع الاشكال لاتحاد الموضوعين فيه فتدبر ثم وصف الأول بالعموم والثاني بالخصوص أما من حيث عموم الوصف المشتق منه في الأول وخصوصية في الثاني كتارك الصلاة وفاعل الاكل مثلا وأما من حيث تحقق الأول حيث يتحقق فيه الثاني من دون عكس ولو غالبا وقد يطلق الضد العام ويراد به أحد أضداده الخاصة وهذا راجع إلى الضد الخاص معنى ويترتب عليه ما يترتب عليه ثم الكلام في

Page 91