Fusul Gharawiyya
الفصول الغروية في الأصول الفقهية
Publication Year
1404 AH
دعوى دخوله فيه فمخالف لما ذكروه من أن المجاز إن كان علاقته المشابهة فاستعارة وإلا فمجاز مرسل ولما ذكروه في حد الاستعارة من أنها المجاز الذي يكون علاقته المشابهة أو أنها الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بعلاقة المشابهة إلى غير ذلك وإن أرادوا أن هذا النوع من العلاقة أعني المشابهة لا تعتبر إلا حيث يتحقق الادعاء المذكور ففساده ظاهر لان علاقة المشابهة لا تقصر عن سائر العلاقات في حصول المناسبة المصححة للاستعمال بها فكما يصح إطلاق القرية على أهلها والغيث على النبات مثلا لما بينهما من المناسبة الناشئة من الحلول والسببية من غير أن يقع هناك دعوى دخول أحدهما في جنس الاخر كذلك يصح إطلاق اللفظ على مشابه معناه نظرا إلى الارتباط الحاصلة بينهما من المشابهة من غير حاجة إلى دعوى دخول أحدهما في جنس الاخر بل المشابهة أقوى في حصول العلاقة والارتباط بها فهي أولى بأن يصح التعويل عليها بمجردها الذي يدل على ذلك القطع بصحة إطلاق الانسان مثلا على الصورة المنقوشة بعلاقة المشابهة وإن لم يتعلق الغرض بادعاء المذكور نعم كثيرا ما يتعلق الغرض بالادعاء المذكور إذا كان المقام مقام مبالغة على ما عرفت تحقيق القول فيه هذا إذا كان لفظ الاستعارة اسم جنس وأما إذا كان علما شخصيا فالادعاء المذكور لا يتأتى فيه قطعا وذلك أن قول القائل رأيت اليوم حاتما يحتمل وجوها أحدها أن يكون تشبيها بتقدير سائر أركانه لكنه بعيد كما مر الثاني أن يكون استعارة للمرئي بعلاقة المشابهة الثالث أن يكون استعارة على دعوى أنه الشخص المعروف وهذا هو الظاهر من مقام المبالغة الرابع أن يكون بمعنى الجواد المطلق فيكون مجازا مرسلا الخامس أن يكون مستعملا في معنى الرجل الجواد المشبه بحاتم فيكون استعارة والوجوه المحتملة لا تزيد على الخمسة وليس المشبه في شئ من هذه الصور داخلا في المشبه به أما في الثلاثة الأول فظاهر وأما في الصورة الرابعة فلعدم اعتبار المشابهة وأما في الخامسة فلان المشبه هو الرجل الجواد وهو غير داخل في حاتم إذ لا يصدق حاتم عليه وعلى غيره وأما ما ذكره التفتازاني في تحقيق كلامهم فليس بشئ لأنه بعد التأويل في وضع اللفظ بأن يجعل الأسد كأنه موضوع للشجاع وحاتم كأنه موضوع للجواد إن استعمل في هذا المعنى التأويلي كان مجازا مرسلا لا استعارة كما مر وأيضا لا وجه حينئذ لجعل الرجل الشجاع والرجل الجواد من الافراد الغير المتعارفة بل هما بعد التأويل من الافراد المتعارفة قطعا إلا أن يراد بها ما يتعارف إطلاق اللفظ عليها مطلقا وعند عدم القرينة و هو تكلف بين وإن أراد أنه إنما استعمل بعلاقة المشابهة وأن التأويل المذكور إنما هو لدخول المشبه في المشبه به ففساد ظاهر إذ لا فائدة حينئذ في اعتبار التأويل هذا إذا كان المذكور لفظ المستعار منه وهو المعبر عنه بالاستعارة المصرحة وأما إذا كان المذكور لفظ المستعار له ويعبر عنه بالاستعارة بالكناية كما إذا أطلق المنية على الموت بادعاء السبعية لها ودل عليه بإثبات ما هو من خواص السبع لها من الأنشاب والأظفار ونحوهما فقد زعم السكاكي أنه من المجاز اللفظي لان المنية في الفرض المذكور لم يطلق إلا على السبع بادعاء السبعية لها ورده غيره بالقطع بأن لفظ المنية لم تطلق إلا على المنية ودعوى السبعية لها لا يخرجها عن كونها مستعملة في معناها فلا يكون مجازا وظني أن السكاكي يدعي أن لفظ المشبه قد أخذ بمعنى المشبه به مجازا وأطلق على المشبه كإطلاق الانسان بمعنى الضاحك على الانسان فيكون مجازا لا غير و الذي ينبه على أنه أراد ذلك دعواه الترادف بين لفظ المنية والسبع وقوله إنهما موضوعان لمعنى واحد والقوم لما غفلوا عن هذه الدقيقة أخذوا في الاعتراض عليه بما لا مساس له بكلامه نعم يرد على السكاكي أن ذلك تعسف لا يساعد ظاهر الاستعمال عليه ثم قد يكون قرينتها استعارة تخييلية كما مر من إثبات الأظفار للمنية فإن المراد بها معناه الحقيقي ودعوى السكاكي أنها استعارة لصورة وهمية في المنية فيكون من أقسام الاستعارة التصريحية مما لا وجه له وقد يكون استعارة تصريحية كما في قوله تعالى ينقضون عهد الله فإنه لما نزل العهد منزلة الحبل نزل إبطاله منزلة نقضه فالتنزيل الثاني قرينة على التنزيل الأول تتمة المعروف بينهم أن المجاز كما يكون في المفرد على ما سبق بيانه كذلك يكون في المركب وحده استعمال المركب أو المركب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما وإن كانت العلاقة مشابهة سميت استعارة تمثيلية أيضا كقولهم للمتردد في أمر أراك تقدم رجلا وتأخر أخرى فيصح فيه أن يلاحظ ما يلزم من يقدم رجلا ويؤخر أخرى عادة من التردد وعدم ثبات الرأي فيطلق عليه الألفاظ الموضوعة بإزاء ملزومه بعلاقة اللزوم فيكون مجازا مركبا وأن يشبه حالة إقبال المخاطب المتردد على الامر تارة وإدباره عنه أخرى بحالة من يتردد في سلوك طريق فيقدم رجلا ويؤخر أخرى بجامع التردد وعدم الثبات والتداني إلى المقصود تارة والتباعد عنه أخرى فيكون استعارة تمثيلية أيضا ثم إنهم بنوا أمر المجاز المركب على ثبوت الوضع للمركبات فالتزموا القول بأن المركبات موضوعة بإزاء المعاني المركبة كما أن المفردات موضوعة بإزاء المعاني المفردة وخالف في ذلك العضدي فأنكر المجاز المركب رأسا وخصه بالمفرد محتجا عليه بأن المركبات لا وضع لها فلا يتطرق التجوز إليها إذ التجوز من توابع الوضع والحق ما ذهب إليه الأكثرون من ثبوت المجاز في المركب لكنه عندي لا يبتني على أن يكون للمركب وضع مغاير لوضع مفرداته كما زعموه بل يكفي فيه مجرد وضع مفرداته لمعانيها الافرادية فإن كل مفرد من المفردات إذا دل على معناه الافرادي بالوضع فقد دل المركب منها على المركب منه بالوضع إذ المراد بالمعنى المركب هو نفس مداليل المفردات المشتملة على النسبة كما أن
Page 27