210

Al-Fuṣūl fī al-uṣūl

الفصول في الأصول

Publisher

وزارة الأوقاف الكويتية

Edition Number

الثانية

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

الكويت

إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٩] فَكَانَ حُكْمُ التَّخْصِيصِ فِيهِ مَقْصُورًا عَلَى مَا يَلِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِهِ لَا تُسْقِطُ الْقَطْعَ، وَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَى وَجْهِ النَّكَالِ وَالْعُقُوبَةِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَدْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَكَالًا وَإِنَّمَا يَكُونُ حِينَئِذٍ مَقْطُوعًا عَلَى وَجْهِ الْمِحْنَةِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَلِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ عَلَى وَجْهِ الْفِتْنَةِ وَالتَّعْرِيضِ لِلثَّوَابِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ التَّائِبَ لَا عِقَابَ عَلَيْهِ (وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: ٣٩] كَلَامًا مُبْتَدَأً لِأَنَّهُ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِهِ) .
وَمِنْ أَلْفَاظِ التَّخْصِيصِ مَا يَعْرِضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْلَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّخْصِيصُ فِيهَا جُمْلَةٌ أُخْرَى تَتَوَسَّطُهَا فِي نَسَقِ الْخِطَابِ فَلَا يَمْنَعُ مَا عَرَضَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ إعْمَالِ لَفْظِ التَّخْصِيصِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾ [المائدة: ٣] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾ [المائدة: ٣] إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ﴿فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣] يَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيمُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ مَا تَوَسَّطَهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾ [المائدة: ٣] وَمَا بَعْدَهُ رُجُوعَ حُكْمِ التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ إلَى الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خِطَابٌ وَاحِدٌ بَعْضُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضٍ وقَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ﴾ [المائدة: ٣] لَا يَصِحُّ أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ وَيُعْطَفَ عَلَيْهِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ تَحْرِيمُهُ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ وَقَدْ جَاءَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ مَا لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا مِنْ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ

1 / 271