Fusul Fi Thaqafa

Cali Tantawi d. 1420 AH
196

Fusul Fi Thaqafa

فصول في الثقافة والأدب

Publisher

دار المنارة للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م

Publisher Location

جدة - المملكة العربية السعودية

Genres

ما كان مُنقلِبًا أو غيرَ مُنْقَلِبِ (١)

(١) صدر البيت: «وصَيّروا الأَبْرُجَ العُلْيا مرتَّبة ...»، فهم يجعلون في البروج منقلِبًا وثابتًا (غير منقلب)، فإذا جاء الأمر في وقت البرج الثابت احتفلوا به، وإذا جاء في البرج المنقلب طرحوه وأهملوه. وليست هذه من مسائل علم الفلك، بل هي من شَعْوذات المنجّمين. والفرق كبير بين «العلم» و«الشعوذة»؛ «الفلك» علم رَصين له فوائد في حساب الأهلّة وحركة الشمس، فهو من العلوم التي يحتاج المسلم إليها، وقد برع فيه المسلمون كما لم تبرع فيه أمة أخرى من قبلهم. أما التنجيم فلا يعدو أن يكون تخريفًا وتخريقًا. لذلك أتْبَعَ أبو تمام بيته هذا بقوله: يَقْضونَ بالأمر عنها وهْيَ غَافِلةٌ ... ما دارَ في فَلَكٍ منها وفي قُطُبِ «يقضون بالأمر عنها»: أي عن الأفلاك والبروج. وقد كان فتح عمورية كله نكسة نكس الله بها المنجمين وخِزيًا أخزاهم به. وليس العتب على المنجّمين، بل على المغفَّلين الذين يستمعون إليهم ثم هم لهم مصدّقون، ولو آمن هؤلاء حقًا بمحمد ﷺ وآمنوا أنه الصادق الأمين لخافوا من سوء العاقبة، فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: «من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»؛ هذا الذي سأل، فما بالك بالذي صدّق؟ ذلك قد خسر آخرته كلها؛ عن أبي هريرة والحسن عن النبي ﷺ قال: «من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد». وليس شرطًا لتأتي العراف أن تقطع المسافات إليه، بل لو فتحت صفحة الأبراج في المجلة أو الجريدة فقرأتها فقد أتيت واحدًا من العرّافين ... فاعتبروا يا أيها المؤمنون! واعذروني على هذا التطويل والاستطراد، غير أني لم أستطع أن أقاوم فرصة سنحت لي لجَلاء هذه المسألة التي يتعامل معها كثير من الناس وكأنها من صغائر اللّمَم، وإنها لمن كبريات مسائل الاعتقاد (مجاهد).

1 / 203