ويكلمهم بلسان كأنما يقطر منه العسل من الحلاوة، ويتواضع لهم ويُشعرهم أنه واحد منهم، ويعظهم متحدثًا لا معلمًا، فتبلغ الموعظة مبلغها وتؤثر أثرها، ويعلمهم سائلًا مستفهمًا، ويأمرهم راجيًا أو ملتمسًا ... وكان مجلسٌ لله وللعلم وللوطن، مجلسُ جِدٍّ في دنيا اللهو، وطهر في عصر الآثام، كالواحة الخضرة في الصحراء المقفرة.
وجرى ذكر المستشفيات فقلت له: لِمَ لا يفتح الإخوان مستشفى؟ فنظر إلى رجل كان قاعدًا -من ضيق المكان- على حافة سريره، وقال له: ما قولك يا فلان؟ خاطبه باسمه مجردًا من الألقاب، في مودة ولطف يلينان القلوب القاسية ويعطفان الأفئدة النافرة، فكيف بأفئدة المريدين المحبين؟ ولم تكن إلا دقائق حتى تمَّ الأمر وأنشئ المستوصف الجديد للإخوان، وسيرى الناس عمّا قريب أركانه قائمة وبابَه إن شاء الله مفتوحًا.
* * *
وخرجت فركبت الترام وفي نفسي من أثر هذا المجلس مثل أثر القصة العظيمة تقرؤها وتنتهي منها، والنغمة العذبة تسمعها، وكان الترام خاليًا، فلم أكد أستقر حتى دخل عليّ شابان يلبسان أردية بلا أكمام ولا أردان، وكانا ظاهرَي الخنوثة حتى كأنهما فتاتان وُضعتا في جلد رجلين! فألقيا بأنفسهما على المقعد إلقاء، فاضطجع أحدهما اضطجاع العروس المدلَّلة على سريرها ورفع الآخر رجلًا فوق رجل فعل الراقصة على مسرحها لتظهر المستتر منها! فاغتظت منهما وتمنيت لو أجد بابًا إليهما لأضع عليهما لسانًا كالمبرد الحامي، فأداويهما به من داء الخنوثة كما