فقال له أتوس: إنها حيلة نصبت لك فلا تذهب. قال: يلوح لي أني أعرف الخط. قال: قد يمكن أن يكون مزورا، وفوق ذلك فأي عربة تمر في شارع كالوت في تلك الساعة إذ يكون مقفرا لا رجل تدب فيه؟ قال: إذا كان ذلك فنذهب جميعا فنأمن الخطر، فقال أراميس: ولكن ألم تع ما قالت في كتابها من أنها لا تريد أن يراها أحد؟ فقال بورتوس: إذن نختفي في مكان لا ترانا به، فقال دارتانيان: ولعلنا نتبع العربة فنفرق من يخفرها ونخلص من فيها. قالوا: سنرى، ولكن ما هذه الرسالة الأخرى؟ ففضها دارتانيان وقرأ:
دارتانيان أحد حراس الملك في فرقة دي زيسار مأمور بالحضور إلى قصر الكردينال عند الساعة الثامنة.
هوريز
قائد الحرس
فقال أتوس: هذه والله شر من الأولى، فقال دارتانيان: ولكني أذهب بعد أن أكون قضيت الرسالة الأولى فإنها في الساعة السابعة وهذه في الساعة الثامنة. قال أراميس: أما أنا فلا أذهب، ومن يخاطر بحياته في قصر الكردينال وهو لا يأمنه؟ فقال بورتوس: وأنا من رأيك. فقال دارتانيان: يا قوم لا تعجلوا، فلا بد لي من الذهاب، فقد أتاني كتاب مثل هذا من مدة فتخلفت فأصابتني نكبة على أثره وهو خطف حبيبتي، وأنا أخشى أن يصيبني مكروه إذا خالفت الآن. قالوا: أفلا تذكر سجن الباستيل وعذابه؟ قال: وما أخشى منه وأنتم ورائي. قالوا: صدقت، فنحن ذاهبون معك إلى موعديك الأول والثاني، فنقيم على أبواب القصر حتى تخرج، وإن لم تخرج وخرجت عربة مقفلة فهناك أجلها المتاح وبلاؤها العظيم.
ثم ذهب أراميس فنبه الغلمان فأسرجوا الخيول، ولما حانت الساعة ركبوا وساروا جميعا إلى الموعد الأول وغلمانهم تتبعهم. وفيما هم سائرون صادفوا دي تريفيل عائدا من اللوفر، فأخبروه بكتاب الكردينال فهدأ روعهم وقال لدارتانيان: إن لم أرك غدا فأنا هادم باريز لا محالة. ثم ساروا حتى بلغوا الشارع المعهود، فجعل دارتانيان يحدق بالعربات وهي تمر به مر النسيم حتى أقبلت عربة يجرها فرسان من جياد الخيل، فتوسم فيها الفتى خيرا ودنا منها وإذا ببوناسيه قد مرت به مرور الخيال، فصاح من الطرب وهم باتباعها لو لم يوقفه قولها في الرسالة. فعاد وقال لأصحابه: هي والله، وما أظنهم إلا ناقليها من سجن إلى آخر، وما أدري ما ذنبها؟ فقال له أتوس: لا تيأس من رحمة الله يا دارتانيان.
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
ثم انثنوا راجعين إلى قصر الكردينال وتفرقوا على أبوابه. ودخل دارتانيان من الباب الكبير بقلب لا يهاب الموت، ومشى الحاجب أمامه في دار فيها كثير من حرس الكردينال، فجعلوا يتغامزون عليه وهو لا يلوي على أحد حتى بلغ غرفة فيها رجل يكتب، فرفع الرجل رأسه لدخول الفتى وإذا به الكردينال.
الفصل الرابع والثلاثون
Unknown page