بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
خطْبَة الْكتاب
الْحَمد لله رب الْعَالمين الَّذِي هدَانَا بِرَسُولِهِ سَبِيل الْيَقِين
اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ وعَلى آله قرناء الْكتاب وَارْضَ عَن أَتْبَاعه وَالْأَصْحَاب
أما بعد
فَإِن الْعَلامَة مجد الدّين الفيروزابادي تغمده الله بشآبيب الرَّحْمَة والبركات ذكر فِي خطْبَة قاموسه اصْطِلَاحَات يعرف بهَا كثير من أوزان الجموع وَالْأَفْعَال
ثمَّ قَالَ وَمَا سوى ذَلِك فأقيده بِصَرِيح الْكَلَام غير مقتنع بتوشيح التلام
وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَن كِتَابه لَا يحْتَاج النَّاظر فِيهِ إِلَى شكل مَا لم يشكل وَمَا أشكل عَلَيْهِ
وَالْأَمر كَذَلِك إِذا انْضَمَّ إِلَى مَا ذكره معرفَة اصْطِلَاحَات أخر هِيَ بَين أَرْبَاب اللُّغَة مأثورة متداولة فِي كتبهمْ مَشْهُورَة إِلَّا أَنه كَانَ على الْمجد أَن يذكرهَا مَعَ مَا ذكره من تِلْكَ الاصطلاحات وَلَا يهملها كَغَيْرِهِ من اهل المصنفات لِأَنَّهَا وَإِن كَانَ أَكْثَرهَا بعضه مِمَّا يعرف من الصّرْف وَبَعضه مِمَّا تدل عَلَيْهِ تراكيب أَلْفَاظ حَسْبَمَا هُوَ مدون فِي الْأُصُول وَالْبَيَان لكنه لَا يستحضرها عِنْد النّظر فِي الْقَامُوس وَنَحْوه المتقن لهَذِهِ الْعُلُوم فضلا عَمَّن سواهُ سِيمَا وَقد تنوسيت عُلُوم الْأَدَب فِي هَذَا الْعَصْر الَّذِي ذهبت فِيهِ فَضَائِل الصِّفَات خُصُوصا علم اللُّغَة فَإِنَّهُ لم يبْق لَهُ أثر حَتَّى اجتثت
1 / 17
أُصُوله وَلَا أَقُول عَاد خلافًا بِلَا ثَمَرَة
فجرت هَذِه الْفَوَائِد كالمقدمة للقاموس بل وَبَعضهَا كالمقدمة لغيره من كتب اللُّغَة تعرف بهَا تِلْكَ الاصطلاحات فَإِذا أتقنها النَّاظر لم يحْتَج إِلَى توشيح التلام فِيهِ فِي جَمِيع الْكَلِمَات إِلَّا فِي نزر يسير تقل الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَا يعول فِي الْمَقَاصِد عَلَيْهِ
وأضفت إِلَى ذَلِك فَوَائِد لَا يسع من طلب هَذَا الْعلم جهلها ورتبته على مُقَدّمَة ومقصدين وخاتمة لَهَا
فالمقدمة فِي سَنَد الْقَامُوس وترجمة مُؤَلفه وَابْتِدَاء الْعَرَبيَّة وَسبب تغيرها إِلَى السريانية ثمَّ ذكر أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ بعد تغيرها ثمَّ سَبَب تغير الْعَرَبيَّة فِي زمن الصَّحَابَة ﵃ وَابْتِدَاء من صنف فِيهَا وَابْتِدَاء من صنف فِي غَرِيب الحَدِيث وَذكر المصنفين فِيهَا أَولا فأولا
وَأَن صِحَاح الْجَوْهَرِي فِي كتب اللُّغَة كصحيح البُخَارِيّ فِي كتب الحَدِيث وَذكر النموذج يعرف بِهِ مَا أهمله الْمجد من الصِّحَاح
الْمَقْصد الأول
فِي بَيَان قَوَاعِد إِذا أتقنها النَّاظر لم يحْتَج إِلَى شكل مَا أشكل وَمَا لم يشكل
الْمَقْصد الثَّانِي
فِي ذكر عُيُوب وَقعت فِي الْقَامُوس وَذكر جواباتها
1 / 18
الخاتمة
فِي ذكر مَا تعرف بِهِ النُّسْخَة الْأَخِيرَة من الْقَامُوس الَّتِي هذبها فِي الْيمن من النُّسْخَة الأولى الَّتِي لم تهذب
وَفِي ذكر مَا يحْتَاج طَالب اللُّغَة من الْكتب الْمُعْتَبرَة الَّتِي لَا يُغني عَنْهَا مَا يتوهمه أهل عصرنا كَافِيا فِي اللُّغَة
مُقَدّمَة مُشْتَمِلَة على فُصُول
فصل
كتاب الْقَامُوس أرويه بِالْإِجَازَةِ عَن عدَّة من الْعلمَاء مِنْهُم السَّيِّد الْفَاضِل سُلَيْمَان بن يحيى بن عمر الأهدل عَن السَّيِّد الْفَاضِل أَحْمد بن مُحَمَّد المقبول الأهدل عَن السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن عمر عَن أبي بكر بن عَليّ البطاح عَن عَمه يُوسُف بن مُحَمَّد البطاح الأهدل عَن الطَّاهِر بن حُسَيْن الأهدل عَن الْوَجِيه الْحَافِظ ابْن الديبع عَن الزين الشرجي الْحَنَفِيّ عَن مُؤَلفه ﵀ وأرويه عَن خطّ الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعيد الكوكني الْقرشِي عَن الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الكوراني الْكرْدِي عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمدنِي بإجازته الْعَامَّة عَن الشَّمْس الرَّمْلِيّ بِالْإِجَازَةِ عَن القَاضِي زَكَرِيَّا عَن الْحَافِظ بن
1 / 19
حجر عَن مُؤَلفه رَحمَه الله تَعَالَى وَقد أجزت رِوَايَته عني بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر لأهل عصري وَإِن لم أكن لذَلِك أَهلا لكنه يتشبه بالقوم من لَيْسَ مِنْهُم وَيدخل فِي سلسلة إسنادهم من روى عَنْهُم
وَأَشد مَا حَملَنِي على ذَلِك رَجَاء دَعْوَة صَالِحَة مِمَّن وقف على هَذِه الْفَوَائِد
(فَلَو رجائي فِيهِ دَعْوَة صَالح ... لما سطرت عَيْنَايَ فِي مثله حرفا)
فصل
مؤلف الْقَامُوس هُوَ الإِمَام مجد الدّين أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ الفيروزابادي
كَانَ ينتسب إِلَى أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه
على أَنه قد قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِي تَارِيخه إِن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق لَا عقب لَهُ
وَرُبمَا رفع نسبه إِلَى أبي بكر الصّديق ﵁ وَكَانَ يكْتب بِخَطِّهِ الصديقي
دخل بِلَاد الرّوم واتصل بِخِدْمَة السُّلْطَان بايزيد ونال عِنْده مرتبَة وجاها وَأَعْطَاهُ مَالا جزيلا
وَأَعْطَاهُ الْأَمِير تيمور خَمْسَة آلَاف من دَنَانِير عصره
1 / 20
ثمَّ جاب الْبِلَاد شرقا وغربا وَأخذ من علمائها حَتَّى برع فِي الْعُلُوم كلهَا سِيمَا فِي التَّفْسِير والْحَدِيث واللغة
وتصانيفه تنيف على أَرْبَعِينَ مصنفا
وَكَانَ لَا يدْخل قَرْيَة إِلَّا أكْرمه واليها وَأَهْلهَا
وَكَانَ سريع الْحِفْظ يرْوى أَنه كَانَ لَا ينَام حَتَّى يحفظ مئتي سطر أَو عشْرين سطرا الشَّك مني
ولد سنة تسع وَعشْرين وَسبع مئة وَذكر فِي الْقَامُوس فِي ك ر ز برَاء بعد الْكَاف ثمَّ زَاي أَنه ولد بكارزين انْتهى
وَتُوفِّي قَاضِيا بزبيد من بِلَاد الْيمن لإحدى عشرَة بقيت من شَوَّال سنة سِتّ أَو سبع عشرَة وثماني مئة وَهُوَ ممتع بحواسه وَدفن بتربة الشَّيْخ إِسْمَاعِيل الجبرتي
وَقد زرته مرَارًا وقبره مَعْرُوف مزور
وَهُوَ آخر من مَاتَ من الرؤساء الَّذين انْفَرد كل مِنْهُم بفن فاق فِيهِ أقرانه على رَأس الْقرن الثَّامِن وهم
سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِي الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَالشَّيْخ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي الحَدِيث وَالشَّيْخ سراج الدّين بن الملقن فِي كَثْرَة التصانيف فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَالشَّيْخ شمس الدّين الفناري فِي الِاطِّلَاع على كل الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَالشَّيْخ أَبُو عبد الله بن عَرَفَة فِي فقه الْمَالِكِيَّة وَفِي سَائِر الْعُلُوم بالمغرب وَالشَّيْخ مجد الدّين فِي اللُّغَة رَحِمهم الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة
1 / 21
فصل
فِي بَيَان أَن اللِّسَان الَّذِي نزل بِهِ آدم ﵇ من الْجنَّة عَرَبِيّ وَأَن أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ الْبَيِّنَة بعد أَن حرفت إِلَى السريانية إِسْمَاعِيل وَأَن أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ من أهل اللِّسَان السرياني يعرب بن قحطان وَأَن أهل اللِّسَان السرياني بعد الطوفان أَوْلَاد أرفخشد بن سَام
1 / 22
إعلم أَنه أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر ووكيع وَعبد بن حميد وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَمُجاهد وَغَيرهم فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا﴾ مَا يقْضِي بِظَاهِرِهِ أَنَّهَا اللُّغَة الْعَرَبيَّة فَإِن الِاسْم فِي اللُّغَة بِمَعْنى اللَّفْظ الدَّال على الشَّيْء سَوَاء أَكَانَ اسْما اصطلاحيا أَو فعلا أَو حرفا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ عَن ابْن عَبَّاس أَن آدم ﵇ كَانَت لغته فِي الْجنَّة الْعَرَبيَّة فَلَمَّا عصى سلبه الله الْعَرَبيَّة فَتكلم بالسُّرْيَانيَّة فَلَمَّا تَابَ رد الله عَلَيْهِ الْعَرَبيَّة وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَغَيرهم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أَحبُّوا الْعَرَب لثلاث لِأَنِّي عَرَبِيّ وَالْقُرْآن عَرَبِيّ وَكَلَام أهل الْجنَّة عَرَبِيّ ضعفه صَاحب التَّمْيِيز
قَالَ عبد الْملك بن حبيب كَانَ اللِّسَان الأول الَّذِي نزل بِهِ آدم من الْجنَّة عَرَبيا فَلَمَّا طَال الْعَهْد حرف وَصَارَ سريانيا نِسْبَة إِلَى أَرض سورية وَهِي أَرض الجزيرة وَبهَا كَانَ نوح وَقَومه قبل الْغَرق
1 / 23
وَفِي الصِّحَاح سورى مَوضِع بالعراق من أَرض بابل وَهُوَ بلد السريانيين
وَاللِّسَان السرياني يشاكل اللِّسَان الْعَرَبِيّ إِلَّا أَنه تحرف
وَكَانَ السرياني لِسَان كل من فِي السَّفِينَة إِلَّا رجلا وَاحِدًا يُقَال لَهُ جرهم بزنة قنقذ فَكَانَ لِسَانه لِسَان الْعَرَب فَلَمَّا خَرجُوا تزوج بعض أَوْلَاد نوح بِبَعْض بَنَات جرهم وَصَارَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ فِي وَلَده
وَسميت عَاد باسم جرهم لِأَنَّهُ كَانَ جدهم لأم
وَبَقِي اللِّسَان السرياني فِي ولد أرفخشد بن سَام إِلَى أَن وصل إِلَى قحطان من ذُريَّته وَكَانَ بِالْيمن فَنزل هُنَاكَ بَنو إِسْمَاعِيل فتعلم مِنْهُم بَنو قحطان اللِّسَان الْعَرَبِيّ
وعَلى هَذَا يحمل كَلَام الصِّحَاح أَن يعرب بن قحطان أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ أَي من أهل اللِّسَان السرياني
لَكِن فِي الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس ﵄ فِي حَدِيث بَدْء زَمْزَم
وَنزل جرهم بِأم إِسْمَاعِيل وشب الْغُلَام وَتعلم الْعَرَبيَّة مِنْهُم ... الخ
قَالَ الْحَافِظ بن حجر فِيهِ إِشْعَار بِأَن لِسَان أَبِيه وَأمه لم يكن عَرَبيا وَفِيه تَضْعِيف لقَوْل من روى أَنه أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ
ثمَّ جمع الْحَافِظ ابْن حجر بِمَا أخرجه الزبير بن بكار وجعفر بن النّحاس فِي أدب الْكَاتِب عَن عَليّ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ أول من فتق الله لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ المبينة إِسْمَاعِيل وَهُوَ ابْن أَربع عشرَة سنة
قَالَ فِي الْفَتْح إِسْنَاده حسن فَتكون أولية إِسْمَاعِيل بِحَسب الزِّيَادَة فِي الْبَيَان لَا الأولية الْمُطلقَة فَيكون بعد تعلمه الْعَرَبيَّة من جرهم ألهمه الله الْعَرَبيَّة المبينة الفصيحة فَنَطَقَ
1 / 24
بهَا
وَشهد لهَذَا الْجمع مَا حَكَاهُ ابْن هِشَام أَن عَرَبِيَّة إِسْمَاعِيل كَانَت أفْصح من عَرَبِيَّة يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم
وَيحْتَمل أَن تكون الأولية فِي الحَدِيث مُقَيّدَة بِإِسْمَاعِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّة إخْوَته من ولد إِبْرَاهِيم فإسماعيل أول من نطق بِالْعَرَبِيَّةِ من ولد ابراهيم
قَالَ النّحاس عَرَبِيَّة اسماعيل هِيَ الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَأما عَرَبِيَّة بقايا حمير فَغير هَذِه الْعَرَبيَّة وَلَيْسَت بفصيحة والى هَذَا مَال جمَاعَة من الْأَئِمَّة
فصل
حَاصِل مَا يجْتَمع من كَلَام ابْن الْأَثِير والسيوطي والصالحي وَغَيرهم فِي سَبَب تغير اللُّغَة فِي آخر زمن الصَّحَابَة ﵃ وَابْتِدَاء من صنف فِي اللُّغَة وَابْتِدَاء من صنف فِي غَرِيب الحَدِيث وَذكر المصنفين فِيهَا الأول فَالْأول وَأَن صِحَاح الْجَوْهَرِي فِي كتب اللُّغَة كصحيح البُخَارِيّ فِي كتب الحَدِيث
اعْلَم أَنه جَاءَ الصَّحَابَة ﵃ وَكَانَ اللِّسَان الْعَرَبِيّ عِنْدهم صَحِيحا إِلَى أَن فتحت الْأَمْصَار وخالط الْعَرَب غير جنسهم من الرّوم وَالْفرس والحبش والقبط وَغَيرهم من أَنْوَاع الْأُمَم الَّذين فتح الله على الْمُسلمين بِلَادهمْ وأفاء عَلَيْهِم أَمْوَالهم ورقابهم فاختلطت الْفرق وامتزجت الألسن وتداخلت اللُّغَات وَنَشَأ بَينهم الْأَوْلَاد فتعلموا من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ فِي الْخطاب وَتركُوا مَا عداهُ لقلَّة الْبَاعِث فَصَارَ بعد كَونه من أهم المعارف مطرحا مَهْجُورًا بعد فريضته اللَّازِمَة كَأَن لم يكن شَيْئا مَذْكُورا
وتمادت الْأَيَّام وَالْحَال هَذِه على مَا فِيهَا من التماسك إِلَى أَن انقرض عصر
1 / 25
الصَّحَابَة ﵃ والقائم بِوَاجِب هَذَا الْأَمر لقلته غَرِيب
وَجَاء التابعون لَهُم بِإِحْسَان فسلكوا سبيلهم لكِنهمْ قلوا فِي الإتقان عددا فَمَا انْقَضى زمانهم على إحسانهم إِلَّا وَاللِّسَان الْعَرَبِيّ قد اسْتَحَالَ أعجميا أَو كَاد فَلَا ترى المشتغل بِهِ والمحافظ عَلَيْهِ إِلَّا الْآحَاد
فَلَمَّا أعضل الدَّاء وَعز الدَّوَاء ألهم الله تَعَالَى جمَاعَة من أولي المعارف والنهى صرفُوا إِلَى هَذَا الشَّأْن طرفا من عنايتهم حراسة لَهُ من الضّيَاع
فَأول من صنف فِي جمع اللُّغَة الْخَلِيل بن أَحْمد لَهُ كتاب الْعين الْمَشْهُور هُوَ أصل الْكتب المصنفة فِي اللُّغَة لَكِن أطبق الْجُمْهُور على الْقدح فِيهِ حَتَّى قيل إِنَّه أَو أَكْثَره لبَعض أَتْبَاعه
قَالَ الْمفضل بن سَلمَة الْكُوفِي فِي ذكر صَاحب الْعين إِنَّه بَدَأَ كِتَابه بِحرف الْعين لِأَنَّهَا أقْصَى الْحُرُوف مخرجا
وَالَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ أَن الْهمزَة أقْصَى الْحُرُوف مخرجا
قَالَ ابْن كيسَان سَمِعت من يذكر عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ لم أبدأ بِالْهَمْزَةِ لِأَنَّهُ يلْحقهَا النَّقْص والتغيير وَلَا بِالْألف لِأَنَّهَا لَا تكون فِي أول الْكَلِمَة وَلَا بِالْهَاءِ لِأَنَّهَا مهموسة خَفِيفَة لَا صَوت لَهَا
وَلَيْسَ الْعلم بِتَقْدِيم شَيْء على شَيْء لِأَنَّهُ كُله مُحْتَاج إِلَيْهِ فَبِأَي شَيْء بدأت كَانَ حسنا وللخليل عدَّة مصنفات
قيل وسمى إِسْحَاق بن مرار الشَّيْبَانِيّ كِتَابه الْجِيم لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِالْجِيم وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لم يبْدَأ فِيهِ بِهِ
قلت وسمى أَبُو تَمام كِتَابه الحماسة بذلك لِأَنَّهُ بَدَأَ فِيهِ بِبَاب فِي الحماسة وَهُوَ أكبر أبوابه
وَلم أر لأحد نصا على وَجه تَسْمِيَته بذلك بعد الْبَحْث
1 / 26
وَذكر صَاحب الْإِسْعَاف فِي تَرْجَمَة أبي تَمام نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ فِي تَسْمِيَة كتاب الحماسة
وَأما كتاب لَيْسَ لِابْنِ خالويه وَهُوَ ثَلَاثَة مجلدات ضخمات فَإِنَّمَا سَمَّاهُ بذلك لِأَنَّهُ يَقُول فِي كل مَسْأَلَة فِي اللُّغَة كَذَا لَا كَذَا
وَتعقب الْحَافِظ مغلطاي عَلَيْهِ مَوَاضِع فِي مُجَلد سَمَّاهُ الميس على لَيْسَ وَهَذَا الْكتاب نوع من أَنْوَاع الْأَشْبَاه والنظائر فِي اللُّغَة
وَذكر السُّيُوطِيّ مِنْهَا فِي النَّوْع الْأَرْبَعين من المزهر مَا لَو أفرد بالتأليف لَكَانَ كتابا جَلِيلًا لَا يَنْقَضِي من الْعجب
ثمَّ صنف ابْن دُرَيْد على منوال كتاب الْعين كتاب الجمهرة لِأَنَّهُ اخْتَار لَهُ الْجُمْهُور من كَلَام الْعَرَب
ثمَّ اختصر الجمهرة إِسْمَاعِيل بن عباد فِي كتاب سَمَّاهُ الْجَوْهَرَة
ثمَّ صنف أَتبَاع الْخَلِيل وَأَتْبَاع أَتْبَاعه فِي اللُّغَة كتبا كَثِيرَة مَا بَين مُخْتَصر ومطول وعام فِي أَنْوَاع اللُّغَة وخاص بِنَوْع مِنْهَا
قيل وَأول من جمع فِي غَرِيب الحَدِيث شَيْئا وَألف أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى فَجمع فِيهِ كتابا صَغِيرا ذَا أوراق معدودات
وَله فِي اللُّغَة النَّوَادِر واللغات
ومصنفاته تقَارب مئتي مُصَنف
ثمَّ جمع أَبُو الْحسن النَّضر بن شُمَيْل الْمَازِني بعده كتابا فِي غَرِيب الحَدِيث أكبر من كتاب أبي عُبَيْدَة وَشرح فِيهِ وَبسط على صغر حجمه
ومصنفاته تقَارب عشْرين مصنفا
1 / 27
ثمَّ جمع عبد الْملك بن قريب الْأَصْمَعِي وَكَانَ فِي عصر أبي عُبَيْدَة وَتَأَخر عَنهُ كتاب غَرِيب الحَدِيث أحسن فِيهِ الصنع وأجاد
وَألف فِي اللُّغَة كتاب الْأَجْنَاس وَغَيره ومصنفاته تنيف على ثَلَاثِينَ مجلدا
وَقَرِيب لقب أَبِيه واسْمه عَاصِم وَهُوَ بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْمُثَنَّاة من تَحت آخِره بَاء مُوَحدَة
وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن المستنير الْمَعْرُوف بقطرب صنف فِي اللُّغَة وَغَيرهَا قريب كَذَا عشْرين مصنفا
وَكَذَلِكَ أَبُو عَمْرو إِسْحَاق بن مرار الشَّيْبَانِيّ صنف كتاب الْجِيم والنوادر والغريب المُصَنّف
واستمرت الْحَال إِلَى زمن أبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَذَلِكَ بعد المئتين
قَالَ ابْن خلكان وَيُقَال إِنَّه أول من صنف فِي غَرِيب الحَدِيث
وصنف بضعَة وَعشْرين كتابا فِي الْقُرْآن الْكَرِيم والْحَدِيث وغريبه وَالْفِقْه فَجمع الْغَرِيب المُصَنّف فِي اللُّغَة وَكتابه الْمَشْهُور فِي غَرِيب الحَدِيث والْآثَار أفنى فِيهِ عمره وأطاب بِهِ ذكره حَتَّى رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ جمعت كتابي هَذَا فِي أَرْبَعِينَ سنة وَهُوَ كَانَ خُلَاصَة عمري
وَلَقَد صدق رَحمَه الله تَعَالَى
وَلما وضع كتاب الْغَرِيب عرضه على عبد الله بن طَاهِر فَاسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ إِن عقلا بعث صَاحبه على عمل هَذَا الْكتاب حقيق أَن لَا يحوج إِلَى طلب
1 / 28
المعاش
وأجرى لَهُ فِي كل شهر عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَبَقِي كِتَابه مرجعا إِلَى عصر أبي مُحَمَّد عبد الله بن قُتَيْبَة الدينَوَرِي فصنف كِتَابه الْمَشْهُور فِي غَرِيب الحَدِيث والْآثَار وَهُوَ كالذيل لكتاب أبي عبيد وأكبر مِنْهُ
وصنف فِي اللُّغَة وغريب الحَدِيث نَحْو عشْرين مصنفا
ودينور بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ بِفَتْحِهَا قَالَ ابْن خلكان وَلَيْسَ بِصَحِيح وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة من تحتهَا وَفتح النُّون وَالْوَاو بعْدهَا
وَقد كَانَ فِي زمن ابْن قُتَيْبَة الإِمَام إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ جمع كتابا فِي غَرِيب الحَدِيث ذَا مجلدات
وَقد صنف النَّاس غير مَا ذكرنَا فِي هَذَا الْفَنّ تصانيف كَثِيرَة كالنوادر لِابْنِ الْأَعرَابِي والبارع للمفضل بن سَلمَة واليواقيت لأبي عمر الزَّاهِد غُلَام ثَعْلَب والتهذيب للأزهري والمجمل لِابْنِ فَارس وديوان الْأَدَب للفارابي قَالَ الْجَوْهَرِي مُصَنف الصِّحَاح نِسْبَة إِلَى بَلْدَة تسمى فاراب وَالْمُحِيط للصاحب بن عباد عشرَة مجلدات كَمَا قَالَ السُّيُوطِيّ وَالْجَامِع للفزاز وَغير ذَلِك حَتَّى حكى الصاحب بن عباد أَن بعض الْمُلُوك أرسل إِلَيْهِ ليسأله الْقدوم عَلَيْهِ فَقَالَ أحتاج إِلَى سِتِّينَ جملا أنقل عَلَيْهَا كتب اللُّغَة الَّتِي عِنْدِي
وَقد ذهب جلّ الْكتب فِي الْفِتَن الكائنة من التتار وَغَيرهم بِحَيْثُ إِن الْكتب الْمَوْجُودَة الْآن فِي اللُّغَة من تصانيف الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين لَا تَجِيء حمل جمل وَاحِد
1 / 29
قَالَه السُّيُوطِيّ مَعَ سَعَة اطِّلَاعه
وَقد حكى الثعالبي فِي الْيَتِيمَة هَذِه الْقَضِيَّة على غير مَا حَكَاهُ السُّيُوطِيّ وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا
فصل
قَالَ السُّيُوطِيّ إِن غَالب كتب اللُّغَة لم يلْتَزم مؤلفوها فِيهَا الصَّحِيح بل جمعُوا مِنْهَا مَا صَحَّ وَغَيره وينبهون على مَا لم يثبت غَالِبا
فَأول من الْتزم الصَّحِيح مُقْتَصرا عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو نصر إِسْمَاعِيل بن عَطاء بن حَمَّاد الْجَوْهَرِي
وَلِهَذَا سمى كِتَابه الصِّحَاح بِكَسْر الصَّاد وَهُوَ الْمَشْهُور جمع صَحِيح وَبِفَتْحِهَا وَهُوَ مُفْرد قَالَه يحيى الْخَطِيب التبريزي وَقَالَ إِلَّا أَن فِيهِ تحريفا قَلِيلا مغتفرا جنب الْكثير الَّذِي اجْتهد فِيهِ
وروى الثعالبي فِي يتيمة الدَّهْر عَن بعض الأدباء
(هَذَا كتاب الصِّحَاح سيد مَا ... صنف قبل الصِّحَاح فِي الْأَدَب)
(تَشْمَل أبوابه وَتجمع مَا ... فرق فِي غَيره من الْكتب)
وَقَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الأدباء
كتاب الصِّحَاح وَهُوَ الَّذِي بأيدي النَّاس الْيَوْم عَلَيْهِ اعتمادهم أحسن الْجَوْهَرِي تأليفه وجود تصنيفه وَهَذَا مَعَ تَصْحِيف فِيهِ فِي عدَّة مَوَاضِع تتبعها عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ
وَقد ألف عبد الله بن بري الْحَوَاشِي على الصِّحَاح وصل فِيهَا إِلَى حرف السِّين فأكملها عبد الله بن مُحَمَّد البطي
1 / 30
وَألف رَضِي الدّين الصَّاغَانِي التكملة على الصِّحَاح ذكر فِيهَا مَا فَاتَهُ من اللُّغَة وَهِي أكبر حجما مِنْهُ
وَأعظم كتاب ألف فِي اللُّغَة بعد الصِّحَاح كتاب الْمُحكم وَالْمُحِيط الْأَعْظَم لأبي الْحسن عَليّ بن سيدة الأندلسي الضَّرِير
ثمَّ كتاب الْعباب للرضي الصَّاغَانِي وَقد وصل فِيهِ إِلَى مَادَّة بكم حَتَّى قَالَ بَعضهم فِيهِ
(إِن الصغاني الَّذِي ... حَاز الْعُلُوم وَالْحكم)
(كَانَ قصارى أمره ... أَن انْتهى إِلَى بكم)
ثمَّ الْقَامُوس للْإِمَام مجد الدّين الفيروزابادي
قَالَ السُّيُوطِيّ وَهُوَ شيخ شُيُوخنَا وَلم يصل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة فِي كَثْرَة التداول إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ الصِّحَاح وَلَا نقصت رُتْبَة الصِّحَاح وَلَا شهرته مَوْجُود هَذِه وَذَلِكَ لالتزامه مَا صَحَّ فَهُوَ فِي كتب اللُّغَة نَظِير صَحِيح البُخَارِيّ فِي كتب الحَدِيث
وَلَيْسَ الِاعْتِمَاد على كَثْرَة الْجمع بل على شَرط الصِّحَّة انْتهى كَلَامه
قلت لَكِن فِي زَمَاننَا قد نقصت رُتْبَة الصِّحَاح وشهرته وَاكْتفى النَّاس فِي الْقَامُوس لثَلَاثَة أُمُور
الأول لجهلهم أَن الصِّحَاح أصح كتاب فِي اللُّغَة حَتَّى توهموا أَنه كثير الْغَلَط لما سمعُوا أَن فِيهِ تصحيفا وَلم يعلمُوا أَن ذَلِك لَا يَخْلُو مِنْهُ إِلَّا كتاب الله تَعَالَى وَأَنه يُمكن أَن يعرفهُ كل مشتغل باللغة
الثَّانِي لجهلهم مَا نذكرهُ من عُيُوب الْقَامُوس حَتَّى صَار عِنْدهم جَمِيع مَا فِيهِ قَطْعِيا
الثَّالِث لجهلهم مَا نذكرهُ من محَاسِن الصِّحَاح والتكملة
1 / 31
فصل
فِيمَا ادَّعَاهُ الْمجد من أَن الْجَوْهَرِي وهم فِيهِ دَعْوَى مُجَرّدَة عَن الدَّلِيل لَا تتفق عِنْد غير أسراء التَّقْلِيد فعلى الْمنصف أَن يقف فِي مقَام الْمَنْع قَائِلا لَا أسلم ذَلِك فِي الْأَكْثَر إِلَّا بِدَلِيل فَإِن أَوْهَام الصِّحَاح يسيرَة كَمَا نَص عَلَيْهِ الْأَئِمَّة يعرفهَا من اشْتغل بِهَذَا الْفَنّ معرفَة لَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى التَّقْلِيد
وَسَنَد الْمَنْع أَنا من إِمَامَة الْجَوْهَرِي وعدالته على يَقِين اعْتمد صحاحه أَئِمَّة اللُّغَة والمصنفون
وَأما الْقَامُوس وَإِن اعْتَمدهُ أهل عصرنا فَلَيْسَ فيهم من بلغ رُتْبَة أحد أُولَئِكَ الْأَئِمَّة
على أَنا تتبعنا كثيرا مِمَّا ادَّعَاهُ الْمجد وَغَيره أَن الْجَوْهَرِي وهم فِيهِ فوجدناه صَحِيحا
وَقد أبان ذَلِك شَيخنَا ابْن الطّيب فِي شَرحه للقاموس مَعَ أَن الْمجد رَحمَه الله تَعَالَى اتبع الْجَوْهَرِي فِي بعض أَوْهَامه كَقَوْلِه أهراق المَاء إهراقا وَالصَّوَاب إهراقة لِأَن زِيَادَة الْهَاء غير مُعْتَد بهَا لشذوذها
فَهِيَ فِي حكم الرباعي نَحْو أَقَامَ إِقَامَة لَا الخماسي وَنَظِيره إستطاع بِقطع الْهمزَة لَا بوصلها كَمَا نَقله الْمجد عَن بعض الْعَرَب بِمَعْنى أطَاع الرباعي
وَمِمَّا يدل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ من أَنه لَا يَنْبَغِي التَّقْلِيد فِي مثل ذَلِك أَن الذَّهَبِيّ على جلالة قدره قَالَ فِي النبلاء عِنْد ذكر الْجَوْهَرِي
وَيُقَال إِنَّه بَقِي عَلَيْهِ من الصِّحَاح مسودة بيضها تِلْمِيذه إِبْرَاهِيم بن صَالح الْوراق فغلط فِي مَوَاضِع حَتَّى قَالَ الجراصل الْجَبَل فصحف وَعمل الْكَلِمَتَيْنِ كلمة وَإِنَّمَا هِيَ الْجَرّ أصل الْجَبَل انْتهى
قلت الَّذِي وقفت عَلَيْهِ فِي نُسْخَة من الصِّحَاح عَلَيْهَا خطّ ياقوت فِي بَاب الرَّاء مَا لَفظه الْجَرّ أَيْضا أصل الْجَبَل انْتهى
وَلم يذكرهُ فِي بَاب اللَّام
1 / 32
وَأدْخل أَيْضا بَين الْكَلِمَتَيْنِ
هَذَا غلط من يغلط النَّاس من حفظه أَو يُقَلّد فِي غلطهم غَيره
وَالَّذِي فِي الْقَامُوس فِي ج ر ر والجر أصل الْجَبَل وَهُوَ تَصْحِيف للفراء
وَالصَّوَاب الجراصل كعلابط انْتهى وَلم ينْسب التَّصْحِيف إِلَى الْجَوْهَرِي
فصل
اعْلَم أَن الْمجد جمع فِي قاموسه بَين الْمُحكم والعباب وَزَاد فِيهِ فَوَائِد امْتَلَأت بهَا الوطاب كَمَا ذكر فِي صدر هَذَا الْكتاب
وَلم يجمع فِيهِ لُغَة الْعَرَب جَمِيعهَا فصيحها ورديئها ومأنوسها ووحشيها فَإِن ذَلِك كَمَا قَالَ القَاضِي نشوان أَمر لَا يُحِيط بِهِ وَسَائِر الْعُلُوم غير الْوَاحِد القيوم
وَهِي كَلِمَات الله ﷿ الَّتِي لَا تنفد وَلَا يقدر أحد من الْبشر أَن يحصي لَهَا عددا وَلَو بَالغ مُجْتَهد لقَوْله تَعَالَى ﴿قل لَو كَانَ الْبَحْر مدادا لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا﴾
بل صرح الْمجد أَنه أَلفه فِي الفصيح والشوارد وَذَلِكَ ظَاهر فِي ترك مَا سواهُمَا حَتَّى قَالَ السُّيُوطِيّ فِي المزهر وَمَعَ كَثْرَة مَا فِي الْقَامُوس من الْجمع للنوادر والشوارد فقد فَاتَهُ أَشْيَاء ظَفرت بهَا فِي أثْنَاء مطالعتي لكتب اللُّغَة حَتَّى هَمَمْت أَن أجمعها فِي جُزْء مذيلا عَلَيْهِ انْتهى
لكنه مَعَ ذَلِك قد جمع جُزْءا وَاسِعًا وَقدرا كَافِيا فَلَا يعْتَرض بإهمال مَا ذكره غَيره إِلَّا أَنه كَانَ عَلَيْهِ أَن لَا يهمل شَيْئا ذكره الْجَوْهَرِي لَا سِيمَا بعد أَن ذكر فِي
1 / 33
خطْبَة قاموسه أَنه كتب بالحمرة مَا أهمله الْجَوْهَرِي من الْموَاد ليظْهر فضل كِتَابه لناظره بادئ بَدْء
وَقَالَ إِنَّه فَاتَ الْجَوْهَرِي نصف اللُّغَة أَو أَكثر إِمَّا بإهمال الْمَادَّة أَو بترك الْمعَانِي الْعَرَبيَّة النادة فَكَانَ عَلَيْهِ بعد هَذَا الْكَلَام أَن لَا يهمل شَيْئا ذكره الْجَوْهَرِي
لكنه أهمل من الْمعَانِي الفصيحة الَّتِي ذكرهَا الْجَوْهَرِي وَلَيْسَت بعربية وَلَا نادة مَا لَو جمع لَكَانَ جُزْءا لطيفا
ولنذكر أنموذجا يعرف بِهِ ذَلِك بِقِيَاس غَيره عَلَيْهِ فَمن ذَلِك فِي ح ل
وَلم يحل مِنْهَا بطائل أَي لم يستفد فِيهَا كثير فَائِدَة وَلم يتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَعَ الْجحْد
وَالَّذِي لَا يتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَعَ الْجحْد أَلْفَاظ كَثِيرَة جمع السُّيُوطِيّ مِنْهَا فِي المزهر بَابا وَاسِعًا نَحْو ألوت وَأحد وقط وصافر وديار وَلَا جرم وَلَا بُد فَلَا تَقول جَاءَنِي أحد وَبهَا صافر بل مَا جَاءَنِي أحد وَمَا بهَا صافر وَكَذَا الْبَوَاقِي
وَكَذَا لَا يسْتَعْمل فِي الْمُوجب لَفْظَة الرَّجَاء بِمَعْنى الْخَوْف كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿مَا لكم لَا ترجون لله وقارا﴾ أَي لَا تخافون
وَمن ذَلِك فِي ذ ر ع فَإِنَّهُ أهمل مِمَّا فِي الصِّحَاح أَرْبَعَة معَان
الأول قَوْلهم هُوَ مني على حَبل الذِّرَاع أَي معد حَاضر
الثَّانِي قَوْلهم أبطرت فلَانا أذرعه أَي كلفته أَكثر من طوقه
الثَّالِث قَوْلهم اقصد بذرعك أَي أَربع بِنَفْسِك
الرَّابِع قَوْلهم قتل ذريع أَي سريع يُقَال قتلوهم أَذْرع قتل
1 / 34
وَمن ذَلِك فِي ش م ل قَوْلهم جمع الله شملهم أَي شتت من أَمرهم
وَفرق الله شَمله أَي مَا اجْتمع من أمره
وَمن ذَلِك فِي خَ ض ع الخيضعة فِي قَول لبيد
(نَحن خِيَار عَامر بن صعصعه ... المالئون الْجَفْنَة المدعدعه ... والضاربون الْهَام تَحت الخيضعه)
حكى أَبُو عُبَيْدَة عَن الْفراء أَنَّهَا الْبَيْضَة
وَقَالَ سَلمَة عَن الْفراء إِنَّهَا الصَّوْت فِي الْحَرْب وَلم يذكر أَنَّهَا الْبَيْضَة
وَمن ذَلِك فِي ل غ وواللغى جمع لُغَة انْتهى
وَمن الْعجب أَنه اسْتَعْملهُ فِي أول سطر من الْخطْبَة فِي الْقَامُوس فَقَالَ الْحَمد لله منطق البلغاء باللغا
وسها عَنهُ فِي مَحَله وَهُوَ جمع مَشْهُور
قَالَ أَبُو الطّيب
(عليم بأسرار الديانَات واللغى ... لَهُ خطرات تفضح النَّاس والكتبا)
1 / 35
الْمَقْصد الأول
هَذَا الْمَقْصد هُوَ زبدة هَذِه الْقَوَاعِد والموجب لتحرير هَذِه الْفَوَائِد
نذْكر فِيهِ قَوَاعِد إِذا أتقنها لم يحْتَج إِلَى شكل مَا أشكل وَمَا لم يشكل لَكِن ذَلِك لم يطرد فِي النُّسْخَة الْأَخِيرَة المهذبة إِلَّا نَادرا سهي عَنهُ
وَأَيّمَا الْقَامُوس وَشبهه لَا ينْتَفع بِهِ النَّفْع التَّام من لم يتقن الصّرْف لِأَن الجموع والمصادر وَالْأَفْعَال القياسية لَا يقيدها لِأَن الْقيَاس يعرف وَزنه من الصّرْف كَقَوْلِه هُوَ حَاسِد من حسد وحسود من حسد
فحسد الأول بشد السِّين الْمُهْملَة مَعَ ضم أَوله لِأَنَّهُ قِيَاس جمع فَاعل الصّفة
وحسد الثَّانِي بِضَمَّتَيْنِ مخففا لِأَنَّهُ قِيَاس جمع فعول الصّفة نَحْو صبور على صَبر
وَأما غير القياسي فَإِنَّهُ يُقيد مَا سمع وَلَا يذكر مَا لم يسمع
وإيضاح بِأَنَّهُ قد عرف فِي الصّرْف أَن أبنية الْمَاضِي الثلاثي ثَلَاثَة فعل مَفْتُوح الْفَاء مثلث
1 / 37