241

Al-Faṣl fī al-milal waʾl-ahwāʾ waʾl-niḥal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

القاهرة

فِي جملَة مساحة السَّمَوَات ولإحاطة السَّمَوَات بهَا وَالَّتِي عرضهَا كعرض السَّمَاء وَالْأَرْض هِيَ الْكُرْسِيّ الْمُحِيط بالسموات وَالْأَرْض قَالَ الله تَعَالَى ﴿وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ فصح ان عرضه كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض مُضَافا بعض ذَلِك إِلَى بعض فصح أَن لَهَا ثَمَانِيَة أَبْوَاب فِي كل سَمَاء بَاب وَفِي الْكُرْسِيّ بَاب وَصَحَّ أَن الْعَرْش فَوق أعلا الْجنَّة وَهُوَ مَحل الْمَلَائِكَة وموضعها لَيْسَ من الْجنَّة فِي شَيْء بل هُوَ فَوْقهَا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿الَّذين يحملون الْعَرْش وَمن حوله﴾ بَيَان جلي على أَن الْعَرْش جرما آخر فِيهِ الْمَلَائِكَة وَقد ذكر أَن الْبُرْهَان يقوم بذلك من أحكم النّظر فِي الْهَيْئَة وَهَذِه نُصُوص ظَاهِرَة جلية دون تكلّف تَأْوِيل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقَوله تَعَالَى كعرض السَّمَاء ذكر لجنس السَّمَوَات لِأَن السَّمَوَات اسْم للْجِنْس يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمثل هَذَا كثير مِمَّا إِذا تدبره المتدبر دلّ على صِحَة مَا قُلْنَاهُ من أَن كل مَا ثَبت ببرهان فَهُوَ مَنْصُوص فِي الْقُرْآن وَكَلَام النَّبِي ﷺ
مطلب بَيَان كذب من ادّعى لمُدَّة الدُّنْيَا عددا مَعْلُوما
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما اخْتِلَاف النَّاس فِي التَّارِيخ فَإِن الْيَهُود يَقُولُونَ للدنيا أَرْبَعَة آلَاف سنة ونيف وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ للدنيا خَمْسَة آلَاف سنة وَأما نَحن فَلَا نقطع على عدد مَعْرُوف عندنَا وَأما من ادّعى فِي ذَلِك سَبْعَة آلَاف سنة أَو أَكثر أَو أقل فقد كذب وَقَالَ مَا لم يَأْتِ قطّ عَن رَسُول الله ﷺ فِيهِ لَفْظَة تصح بل صَحَّ عَنهُ ﵇ خِلَافه بل نقطع على أَن للدنيا أمرا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله ﷿ قَالَ الله تَعَالَى ﴿مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم﴾ وَقَول رَسُول الله ﷺ مَا أَنْتُم فِي الْأُمَم قبلكُمْ إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود أَو كالشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض هَذَا عَنهُ ﵇ ثَابت وَهُوَ ﵇ لَا يَقُول إِلَّا عين الْحق وَلَا يسامح بِشَيْء من الْبَاطِل وَهَذِه نِسْبَة من تدبرها وَعرف مِقْدَار أعداد أهل الْإِسْلَام وَنسبَة مَا بِأَيْدِيهِم من معمور الأَرْض وَأَنه إِلَّا كثر علم أَن للدنيا عددا لَا يُحْصِيه إِلَّا الله الْخَالِق تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَوْله ﷺ يعثت أَنا والساعة كهاتين وَضم اصبعيه المقدستين السبابَة وَالْوُسْطَى وَقد جَاءَ النَّص بِأَن السَّاعَة لَا يعلم مَتى تكون إِلَّا الله ﷿ لَا أحد سواهُ فصح أَنه ﵇ إِنَّمَا عني شدَّة الْقرب لَا فضل طول الْوُسْطَى على السبابَة إِذْ لَو أَرَادَ فضل ذَلِك لأخذت نِسْبَة مَا بَين الاصبعين وَنسب ذَلِك من طول الْوُسْطَى فَكَانَ يعلم بذلك مَتى تقوم السَّاعَة وَهَذَا بَاطِل وَأَيْضًا فَكَانَ تكون نسبته ﵇ إيانا إِلَى من قبلنَا بِأَنَّهُ كالشعرة فِي الثور كذبا ومعاذ الله من ذَلِك فصح أَنه ﵇ إِنَّمَا أَرَادَ شدَّة الْقرب وَله ﵇ مذ بعث أَرْبَعمِائَة عَام ونيف وَالله أعلم بِمِقْدَار مَا بَقِي من

2 / 84