60

Fiqh Trends Among Hadith Scholars in the Third Century AH

الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

مصر.

Genres

وقد استند الكارهون له إلى قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (١) كما استدلوا بما رواه " مسلم " عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». قال كثير من العلماء: المراد بقوله: «وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» التَّكْثِيرُ مِنَ السُّؤَالِ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ تَنَطُّعًا وَتَكَلُّفًا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ (٢). كما استدلوا بقوله ﷺ: «إِنَّ الله فَرَضَ أَشْيَاءَ فَلاَ تُضَيِعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا». رواه أحمد وغيره (٣).
وقوى من كراهية فرض المسائل في نفوس هؤلاء العلماء عبارات لبعض السلف رويت عنهم في كراهة السؤال عما لم يكن؛ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنُ عُمَرَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ» (٤).
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ -، «كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قَدْ كَانَ، حَدَّثَ فِيهِ بِالذِي يَعْلَمُ

(١) [المائدة: ١٠١]. وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا رَوَاهُ " البُخَارِيُّ " وَ" مُسْلِمُ " عَنْ أَنَسٍ مِنْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلَانٌ»، أَوْ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ السُّؤَالِ عَنِ الَحجِّ: أَفِي كُلِّ عَامٍ هُوَ؟ فَقَالَ الرسول ﷺ: «لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ». أَوْ سَأَلُوا عَنْ أُمُورِ الجَاهِلِيَّةِ التِي عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، أَوْ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ سَأَلُوا عَنْ البَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ. وَعَقَّبَ القُرْطُبِيُّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِقَوْلِهِ: «وَفِي الصَّحِيحِ وَالمُسْنَدِ كِفَايَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ»، انظر " تفسير القرطبي ": ٦/ ٣٣٠.
(٢) " تفسير القرطبي ": ٦/ ٣٣٢.
(٣) " الفكر السامي ": ٢/ ١٢٨.
(٤) " سنن الدارمي ": ١/ ٥١.

1 / 63