Fiqh of the Signs of the Hour

فقه أشراط الساعة

Publisher

الدار العالمية للنشر والتوزيع

Edition Number

السادسة

Publication Year

١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م

Genres

فقه أشراطِ السَّاعَة تأليف محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم عفا الله عنه الدار العالمية للنشر والتوزيع

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 2

فقه أشْراط السَّاعَة

1 / 3

فقه أشراط الساعة كُل الحقوق محفوظة الدار العالمية للنشر والتوزيع الطبعة السادسة ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م رقم الإيداع: ٤٧٢١/ ٢٠٠٦

1 / 4

بسم الله الرحمن الرحيم عن أبي قتادة ﵁ قال: سمعت رسولَ الله ﷺ يقول: "إِيَّاكُمْ وَكثْرَةَ الحدِيثِ عَنِّي، مَنْ قَالَ عَلَيَّ فَلَا يَقُولَنَّ إِلَّا حَقًّا أَوْ صِدْقًا، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (*).

(*) أخرجه الإمام أحمد (٥/ ٢٩٧)، والدارمي (١/ ٧٧)، وابن ماجه (٣٥)، والحاكم (١/ ١١١)، وحسنه الألباني في "الصحيحة" رقم (١٧٥٣).

1 / 5

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وليِّ المتقين والحمد لله رب العالمين، لا يهدي كيد الخائنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، قاصمُ ظهر الماكرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيدُ ولدِ آدمَ أجمعين. اللهم صَلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. في عالم الأفكار-كما في عالم الأزياء- "صيحات"، و"تقاليع" تُفْرَضُ -بفعل فاعل- لتستلفت أنظار الناس بعيدًا عن خطر حقيقي، وتستقطب اهتمام الطليعة الفعالة في الأمة بعيدًا عما ينبغي أن يشتغلوا به من واجب الوقت، أو تَفْرِضُ نفسها على الساحة الفكرية، التي صارت في كثير من البلدان خاوية إلا من الصحف المسمومة، أو المطبوعات التي لا تخضع لرقابة "فقهية شرعية"؛ فتفجر قضايا يتابعها الناس بنهم، وتشغل الحاضر والبادي، ومع غياب العلماء، أو تغييبهم يُفتقد الانضباط، ويكثر اللغط، ويُدلي كلٌّ بدلوه، وتُبْتَذَل القضايا الكبرى حين ينطق فيها الرويبضة (١)، ويتصدر للخوض فيها من ليس للكلام أهلًا، ويُكْثِر اللغطَ من كان يحبس لسانه في فمه وَجَلًا.

(١) الرُّوَيبِضَة: فسره النبي ﷺ بأنه "الرجل التافه ينطق في أمر العامة"، =

1 / 6

نُبِّئْتُ أنَّ النارَ بعدك أُوقِدتْ ... وأستبَّ بعدك يا كُلَيبُ المجلسُ وتحدثوا في أمرِ كلِّ عظيمةٍ ... لو كنتَ حاضِرَهُمْ بها لم ينبسوا ولعل أحدث هذه "الصيحات"، وآخر "التقاليع" ما نسميه "ظاهرة العبث بأشراط الساعة"، فقد قذفت المطابع -ولا تزال- بعشرات الكتب والمقالات -بَلْهَ الخطب والمحاضرات- تُفيض في الحديث عن أشراط الساعة، بمنهج مبتدَع دخيل، وأسلوب عجيب غريب، وتهافَتَ الناس على اقتنائها، والتعويل على ما فيها، الأمر الذي يشي بمدى تفشي "الأمية الدينية" بين عامة المثقفين فضلًا عمن دونهم. ولعل أبرز ما يميز "رءوس" هذه الظاهرة ومقلِّديهم فشو داء التعالم، والقول على الله بغير علم، والجرأة على الخوض بالظن في التوقعات المستقبلة، والاعتماد في الاستدلال على مرويات شاذة غريبة، وآثار مطمورة مهجورة، بَلْهَ الأحاديث الضعيفة والموضوعة، والإسرائيليات، وفيهم يصدق ما رواه أبو هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» (١). لقد صار الخوض في أشراط الساعة -وهي غيب- كلأً مباحًا يتناوله كل من هبَّ ودَبَّ، فأفرز مجازفات وشطحات تقشعر منها الجلود، وها

= والتافه: الخسيس الحقير، والرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة كما في "النهاية" (٢/ ١٨٥). (١) رواه مسلم في "المقدمة" رقم (٧)، والطحاوي في "المشكِل " (٤/ ٢٠٤).

1 / 7

هو ذا واقع الأحداث يأتي على بنيانها من القواعد، ويهدمها هدمًا، ويكشف زيفها للناظرين. وفي هذه الدراسة نسلِّطُ الضوء على ظاهرة "العبث بأشراط الساعة" وصفًا وتحليلًا، ونحاول أن نستخلص منها ضوابط التعامل مع نصوص أشراط الساعة، مع ربط ذلك بواقع الأمة في هذا العصر، والله تعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. محمد بن أحمد إسماعيل المقدَّم الإسكندرية في السبت ١٠ ذي القعدة ١٤٢٤ هـ الموافق ٣ يناير ٢٠٠٤ م

1 / 8

الباب الأول الفصل الأول في التحذير من التعالم الكاذب، والولع بالغرائب قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٤]. إن التعالم الكاذب هو عتبة الدخول على جريمة القول على الله بغير علم، المحرمة لذاتها تحريمًا أبديًّا في جميع الشرائع، وهذا مما عُلِم من الدين بالضرورة، وهو مما حَذَّرَناه رسولُ الله ﷺ أشد التحذير. عن عبد الله وأبي موسى ﵄ قالا: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ» وَالهَرْجُ: القَتْلُ (١) الحديث. وعن أنس ﵁ قال رسول الله ﷺ: " مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، " (٢).

(١) رواه البخاري: (١٣/ ١٣ - فتح). (٢) رواه البخاري: (١/ ١٧٨ - فتح).

1 / 9

وعن مالك قال: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ " أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَوَجَدَهُ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ وَارْتَاعَ لِبُكَائِهِ فَقَالَ لَهُ: أَمُصِيبَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اسْتُفْتِيَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قَالَ رَبِيعَةُ: وَلَبَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَا هُنَا أَحَقُّ بِالسَّجْنِ مِنَ السُّرَّاقِ " (١). وقال القاسم بن محمد: "لَأن يعيش الرجل جاهلًا؛ خير من أن يقول على الله ما لايعلم". وأفضح ما يكون للمرء: دعواه بما لا يقوم به، وقد عاب العلماء ذلك قديمًا وحديثًا: قال الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويُفسِدون، ويُقَدِّرون أنهم يصلحون". وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "إذا تكلم المرء في غير فنه، أتى بهذه العجائب". خلق الله للحروب رجالًا ... ورجالًا لقصعةٍ وثريدِ قال بعض المصنفين: "والانفراد عن أهل العلم برأي في الشرع والقول بما لم يقل به أحد فيه، ينبئان عن خلل في العقل". قال زُفَرُ بن الهذيل: "إني لا أناظر أحدًا حتى يسكت، بل أناظره حتى يُجَنَّ"، قالوا: كيف ذلك؟ قال: "يقول بما لم يقل به أحد".

(١) "جامع بيان العلم" رقم (٢٤١٠) ص (١٢٢٥).

1 / 10

وقال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: "ليس ما لا يُعْرف من العلم، إنما العلم ما عُرِف، وتواطأت عليه الألسن". وقال إبراهيم بن أبي عبلة -رحمه الله تعالى-: "من حمل شاذَّ العلم حمل شرًّا كثيرًا". وقال الشاطبي -رحمه الله تعالى-: "قلما تقع المخالفة لعمل المتقدمين إلا ممن أدخل نفسه في أهل الاجتهاد غَلَطًا أو مغالطة". وقال الأمير شكيب أرسلان: "ومن أعظم أسباب تأخر المسلمين: العلم الناقص، والذي هو أشد خطرًا من الجهل البسيط؛ لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشدًا عالمًا أطاعه، ولم يتفلسف عليه، فأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري، ولا يقتنع بأنه لا يدري، وكما قيل: (ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلائكم بنصف مجنون)، وأقول: ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم" (١).

(١) "لماذا تأخر المسلمون؟ " ص (٧٥).

1 / 11

فقه أشراط الساعة

1 / 12

الفصل الثاني مَن المُجتهد الذي يؤجر على اجتهاده وإن أخطأ؟ عن عمرو بن العاص ﵁ أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قال: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» (١). ورد هذا الحديث في شأن القاضي، إلا أن المفتيَ ملحق به، بجامع أن كلًّا منهما مأمور بأن يَصْدُرَ عن حكم شرعي، ولذا يُعذر كلاهما في الخطأ. والمفتي إن كان من أهل العلم، ممن اجتمعت فيه شرائط الفتيا، وبذل وُسْعَه للوصول إلى الحق، ثم أفتى بما غلب على ظنه. أنه الحق بمقتضى الأدلة؛ فأخطأ، فلا إثم عليه في الخطأ؛ لدخوله في القاعدة الذهبية التي دل عليها قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الاحزاب:٥]، ولدخوله في هذا الحديث الشريف المشار إليه. وأجر اجتهاده باقٍ محفوظٌ لا يبطل بخطئه؛ لأن الشرع يأمره بأن يفتيَ لوجوب الإفتاء، وقد فعل ما أُمِرَ به، فاستحق بذلك الأجر "على العمل

(١) رواه من حديث عمرو بن العاص ﵁ البخاري (١٣/ ٢٦٨)، ومسلم (١٧١٦).

1 / 13

الذي قام به، ولكن لا يكون أجره بقدر أجر المصيب، إذ إن المصيب دلَّ على الحق، وهذا -أي: المخطئ- لم يدل عليه. أما إذا أفتى مَن ليس بأهلٍ للفُتيا فأخطأ، أو كان أهلًا ولم يبذل جهده لإحقاق الحق فأخطأ؛ فإنه لا يكون معذورًا بذلك، بل يكون آثمًا؛ لأنه أضلَّ عن سبيل الله، وقد قال الله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] (١). وقال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (٢). قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: "وإنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالمًا بالاجتهاد فاجتهد، وأما إذا لم يكن عالمًا فلا". واستدل بحديث: "الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ"، وفيه: "وقَاضٍ قَضَى بِغَيرِ حَق، فَهوَ في النَّارِ، وقَاضٍ قَضَى وهو لا يَعْلمُ؛ فَهو في النَّارِ". وقال الخطابي -رحمه الله تعالى- في "معالم السنن": "إنما يؤجر المجتهد إذا كان جامعا لآلة الاجتهاد، فهو الذي نعذره بألخطأ، بخلاف المتكلِّفِ، فيُخاف عليه ". اهـ.

(١) انظر: "الفتيا ومناهج الإفتاء" ص (١٣٤ - ١٣٦). (٢) رواه البخاري: (١/ ١٧٣، ١٧٤)، ومسلم (٢٦٧٣).

1 / 14

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "لا يلزم من رد حكمه أو فتواه إذا اجتهد فأخطأ أن يأثم بذلك، بل إذا بذل وُسْعَه أُجِر، فإن أصاب ضُوعف أجرُه، لكن لو أقدم فحكم أو أفتى بغير، علم لحقه الإثمُ" (١). وقال محيي السنة البغوي -رحمه الله تعالى-: (٢) وقوله في الحديث: "وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" لم يُرد به أنه يؤجر على الخطأ، بل يؤجر في اجتهاده في طلب الحق؛ لأن اجتهاده عبادة، والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يألُ جهدَه، وهذا فيمن كان جامعًا لآلة الاجتهاد، فأما من لم يكن محلًّا للاجتهاد، فهو متكلِّفٌ لا يُعْذَرُ بالخطأ في الحكم، بل يُخاف عليه أعظم الوزر، رُويَ عن بريدة ﵁ عن النبي ﷺ قال: " الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ " (٣).

(١) "فتح الباري" (١٣/ ٣١٨، ٣١٩). (٢) "شرح السنة" (١٠/ ١١٧، ١١٨). (٣) أخرجه أبو داود (٣٥٧٣)، والترمذي (١٣٢٢)، وابن ماجه (٢٣١٥)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي (٤/ ٩٠).

1 / 15

فارغ

1 / 16

الفصل الثالث في معنى "أشراط الساعة" الشَرَطُ -بفتحتين-: هو العلامة، جمعه: أشراط، وأشراط الشيء: أوائله، ومنه: شُرَط السلطان، وهم نُخْبَةُ أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، ومنه: الاشتراط الذي يشترطه الناس بعضهم على بعض، فالشرط علامة على المشروط (١). الساعة لغةً جزء من أجزاء الليل والنهار، جمعها: ساعات، وساع، والليل والنهار معًا أربع وعشرون ساعة. وأشراط الساعة: علاماتها (٢)، قال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨]. قال الحافظ ابن حجر: "هي العلامات التي يعقبها قيام الساعة" (٣). وقد أطلق بعض العلماء على "الأشراط" اسم "الآيات"؛ و"الآيات" هي الأمارات الدالة على الشيء، كالأمارات التي تُنصبُ في الصحراء؛ دالة على الطريق، أو توضع على الشاطئ؛ لتهديَ السفن، أو توضع في طريق المسافرين؛ لتدلهم على ما يقصدون من الأماكن.

(١) انظر: "لسان العرب" (٧/ ٣٢٩)، و"النهاية لابن الأثير (٢/ ٤٦٠). (٢) "مختار الصحاح" ص (٣٢٤). (٣) "فتح الباري" (١٣/ ٧٩).

1 / 17

قال الطيبي: "الآيات: أماراتٌ للساعة، إما على قربها، وإما على حصولها؛ فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس" (١). معنى "الساعة" اصطلاحًا الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وسُمّيَتْ بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفجأ الناس في ساعة، فيموت الخلق كلهم بصيحةٍ واحدة (٢). وقال الراغب في "المفردات": [الساعة: جزء من أجزاء الزمان، وُيعبَّر به عن القيامة، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر: ١]، وقال سبحانه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف: ١٨٧]، وقال ﷿: ﴿وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٨٥]. تشبيهًا بذلك لسرعة حسابه، كما قال ﷿: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦٢]، أو لِما نبَّه عليه بقوله ﵎: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: ٤٦]، وقوله سبحانه: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ [الأحقاف: ٣٥]، وقوله ﷿: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم: ٥٥]، فالأولى: هي القيامة، والثانية: الوقت القليل من الزمان. وقيل: الساعات -التي هي القيامة- ثلاث:

(١) "المصدر نفسه" (١٣/ ٣٥٢). (٢) انظر: "لسان العرب" (٨/ ١٦٩)، "النهاية" لابن الأثير (٢/ ٤٢٢).

1 / 18

الساعة الكبرى (١): هي بعث الناس للمحاسبة، وهي التي أشار إليها بقوله ﵇: "ولا تقوم الساعة حتِى يظهرَ الفُحش والتفاحُش" (٢) إلى غير ذلك، وذكر أمورًا لم تحدث في زمانه ولا بعده. والساعة الوسطى: وهي موت أهل القرن الواحد، وذلك نحو ما رُويَ أنه رأى عبد الله بن أُنَيْس (٣)، فقال: "إن يَطُلْ عُمرُ هَذَا الغُلَامِ لم يمُتْ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ" (٤). والساعة الصغري: وهي موت الإنسان، فساعةُ كلِّ إنسانٍ موتُه، وهي المشارُ إليها بقوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ [الأنعام:٣١]، ومعلوم أن هذه الحسرة تنال الإنسانَ عند موته، لقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ

(١) وإذا أطلقت الساعة في القرآن الكريم، فالمراد بها القيامة الكبرى: قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٣]، أي: عن القيامة، وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر: ١]، أي: اقتربت القيامة. (٢) رواه الإمام أحمد (٢/ ١٦٢) رقم (٦٥١٤)، من رواية عبد الله بن عمرو ﵄، بلفظ: "لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة" الحديث، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح " (١٠/ ٢٠). (٣) قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "إن ما ذكره عن عبد الله بن أُنَيس لم نقف عليه، ولا هو آخر من مات من الصحابة هَرِمًا" اهـ. من "فتح الباري" (١/ ٣٦٤). (٤) وعن أم المؤمنين عائشة ﵂ قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله ﷺ سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم؛ قامت عليكم ساعتكم"، رواه البخاري (١١/ ٣٦١ - الفتح)، ومسلم (١٨/ ٩٠ - النووي). والمراد بساعتهم: موتهم، فهو ساعة المخاطبين، كما "في الفتح" (١١/ ٣٦٣)، وانظر: "تفسير المنار" (٩/ ٣٨٧).

1 / 19

الْمَوْتُ فَيَقُولَ﴾ الآية [المنافقون: ١٠]، وعلى هذا قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾ [الأنعام: ٤٠]. وعن أم المؤمنين عائشة ﵂ قالت: كان رسول الله ﷺ وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: " لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ (١) [الأحقاف: ٢٤] اهـ (٢) وقال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قال علماؤنا: واعلم أن كل ميت مات فقد قامت قيامته (٣)، ولكنها قيامة صغرى وكبرى، فالصغرى: هي ما يقوم كل (٤) إنسان في خاصته من خروج روحه، وفراق أهله، وانقطاع سعيه، وحصوله على عمله إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشر، والقيامة الكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة واحدة" (٥). وقد ذكر الله تعالى القيامتين الصغرى والكبرى في القرآن الكريم، فتجده يذكر القيامتين في السورة الواحدة؛ كما في سورة الواقعة؛ فإنه ذكر في أولها القيامة الكبرى، فقال تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (٢) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (٣) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧)﴾ [الواقعة: ١ - ٧].

(١) رواه مسلم: (١٤/ ٨٩٩). (٢) "المفردات" ص (٤٣٤، ٤٣٥) بتصرف. (٣) أي: من مات فقد دخل في حكم الآخرة. (٤) كذا، ولعلها: بكل. (٥) "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، نقلًا عن "القيامة الصغرى"، للأشقر، ص (٢).

1 / 20