القسم الرابع أسس المجتمع الجديد
الأساس الأول (بناء المسجد)
لقد كانت هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة، تعني نشأة أول دار إسلام إذ ذاك على وجه الأرض، وقد كان ذلك إيذانا بظهور الدولة الإسلامية بإشراف منشئها الأول محمد ﵊.
ولذا فقد كان أول عمل قام به الرسول ﷺ، أن أقام الأسس الهامة لهذه الدولة ولقد كانت هذه الأسس ممثلة في هذه الأعمال الثلاثة التالية:
أولا: بناء المسجد.
ثانيا: المؤاخاة بين المسلمين عامة والمهاجرين والأنصار خاصة.
ثالثا: كتابة وثيقة (دستور) حددت نظام حياة المسلمين فيما بينهم، وأوضحت علاقتهم مع غيرهم بصورة عامة واليهود بصورة خاصة.
وسنبدأ، فنتحدث عن بناء المسجد أولا:
«قلنا فيما مضى: إن ناقته ﷺ بركت في موضع كان لغلامين يتيمين من الأنصار، وكان أسعد بن زرارة قد اتخذه مصلّى قبل هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة، فكان يصلّي بأصحابه فيه. فأمر رسول الله ﷺ أن يبنى ذلك الموضع مسجدا، ودعا الغلامين- وكانا في كفالة أسعد بن زرارة ﵁ فسام رسول الله ﷺ فيه، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله ﷺ حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير «١» .
وكان فيه شجر غرقد ونخل وقبور قديمة لبعض المشركين، فأمر رسول الله ﷺ بالقبور فنبشت وبالنخيل والشجر فقطعت، وصفّت في قبلة المسجد، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى
(١) رواه البخاري: ٤/ ٢٥٨ وابن سعد في الطبقات: ٢/ ٤ وانظر إعلام الساجد في أحكام المساجد للزركشي: ص ٢٢٣، وغيره من كتب السيرة. إلا أنه ليس في البخاري أن الرسول ابتاعه منهما بعشرة دنانير. قال في الفتح: ووقع عند موسى بن عقبة أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير. وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه.