Fiqh al-Usrah
فقه الأسرة
Genres
حق المبيت والقسم بين الزوجات
الحق الأخير: حق المبيت، والمراد بحق المبيت: إعفاف الرجل لامرأته، وإعفاف المرأة لزوجها، وهذا الحق ينبغي أن يحفظه كلٌ من الزوجين للآخر، وقال بعض العلماء: إن المقصود من النكاح إعفاف الرجل لنفسه وإعفاف المرأة نفسها، ولذلك قال النبي ﷺ: (من استطاع من منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج)، فلا يُغض البصر عن حرمات الله ولا يحصن عن حدود الله ومحارمه، إلا إذا أحسنت المرأة التبعُّل لزوجها، والعكس، ما حفظ الزوج زوجته وتقرب إلى الله بحفظها عن الحرام إلا كتب الله له بذلك أجرًا، ومن هنا قال ﵌: (وفي بِضع أَحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له بها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر)، شكر الله من الزوج، فكتب له ثواب ما يلقي من النطفة؛ لأن هذه النطفة، وهذا الإحسان إلى الزوجة بإعفافها عن الحرام يصونها عن حدود الله، ويحفظها عن محارم الله، ويُقيمها على صراط الله، فالواجب على الزوج أن يُعين زوجته على ذلك، والواجب على الزوجة أن تعين زوجها على ذلك، بتهيئة الأسباب، فالمرأة تتجمل وتتكامل لزوجها حتى تغِضّه وتُعِفّه، كذلك الرجل يتجمل ويتزين لامرأته حتى يعفها، ولذلك قال ﵌: (صدق سلمان) أي: أن لزوجك عليك حقًا، لأنه لما رأى أم الدرداء غير متجملة، مبتذلة في ثيابها، سألها عن ذلك فأخبرته أن أبا الدرداء لا حاجة له بها، فلما أتى أبو الدرداء وعظه، وقال له: (إن لنفسك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطي كل ذي حقٍ حقه)، فجاء أبو الدرداء إلى الرسول ﵌ فأخبره، فقال: (صدق سلمان)، صدق وذلك بقوله: إن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فهذا كله دار حينما رأى سلمان المرأة مبتذلة في ثيابها، فعلم أنها لا تستطيع أن تقوم بحق زوجها، وعلم أن وراء ذلك سرًا، فاستكشف وسأل حتى يعلم ما بأخيه، فلما رأى التقصير وعظ أخاه وذكره، وبين له أن هذا حقٌ واجبٌ عليه، ولذلك كما يتقرب العبد لربه بالركوع والسجود يتقرب بإعفاف نفسه عن الحرام، فالله يُطاع بأمرين: بفعل أوامره وترك نواهيه، ومن أعظم المزالق والهوى: زلة الزنا والعياذ بالله، ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء:٢٢] تُنتهك به أعراض المسلمين، وتختلط به أنسابهم، ويكون منه من الشر ما الله به عليم، تأذّن الله بالفقر لصاحبه وبالأذية وبالسقم والمرض، وما يكون من شرور العواقب، فمن الذي يحفظ بعد الله إلا المرأة الصالحة، والرجل الصالح الذي يحفظ زوجته، خاصةً في زمان مليءٍ بالفتن، تهيّئ المرأة من نفسها الأسباب للتجمل والكمال؛ حتى يرى الرجل في زوجته الكمال، فيحفظ نفسه عن غيرها، كذلك أيضًا الرجل يهيئ من نفسه فيحفظ زوجته، فلا يسهر كثيرًا خارج البيت، ولا يأتي في ساعات تعبه ونصبه خاملًا كسلانًا لكي يضيع حق أهله، ويحرمهم الحنان ويحرمهم الإعفاف والإحصان عما حرم الله ﷿ عليهم، فلذلك ينبغي على كلا الزوجين لتحقيق هذا الحق تهيئة الأسباب، ويكون الرجل مرتبًا لأوقاته، فساعات الأهل للأهل، وساعات العمل للعمل، ولكل ذي حقٍ حقه، ولذلك يوصي العلماء دائمًا بترتيب الأوقات، ومن أعظم المصائب التي بُليت بها الأمة خاصةً في هذا الزمان كثرة السهر، هذا السهر دمر بيوت المسلمين، وأضاع حقوق الأزواج والزوجات والأولاد الأبناء والبنات، بل كثير من مشاكل الطلاق تنشأ من السهر؛ لأن الرجل ضيع حق زوجته وحق ولده، ولذلك لو أن الناس حفِظوا أوقاتهم خاصةً بعد العشاء، وحرص الإنسان على ترتيب وقته في إدخال السرور على أهله، لأن الله جعل الليل سكنًا، ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ [الأنعام:٩٦] هذه سنة الله، وفطرة الله، فجعل الله للمرأة حقًا في زوجها، وكذلك جعل للرجل حقًا في امرأته.
قال العلماء: يجب على الرجل أن يصيب امرأته، واختلفوا في الأمد، قال بعض العلماء: يجب عليه أن يصيبها كل أربع ليالٍ مرة، لأن الله أعطى الرجل أربع زوجات، ونصيبها عند التعدد أن يكون لها ليلةٌ من الأربع، ولذلك قالوا: يصيبها في أربع، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عمر بن الخطاب ﵁، قالت له: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لها: بارك الله لك في بعلك، أثنى على بعلها خيرًا، فمضت ثم رجعت، فقالت: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لها: من زوجك؟ قالت: فلان، قال: جزاك الله خيرًا، أعلمتينا خيره أو عرفتينا فضله، فمضت ثم رجعت، فقالت: يا أمير المؤمنين! زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وهذا يدل على كمال السلف الصالح والأدب والحياء والخجل، ما أجمل النساء إذا حفظن الحياء والخجل، تكمل المرأة.
لذلك يقول العلماء: إن الحياء كالغطاء للحلوى، فإذا تكشفت سقط عليها الذباب، كذلك المرأة إذا لبست الحياء كمُلت، وأصبحت سرًا ثمينًا ودرة مصونة، فاستحت أن تؤذي زوجها بذكره مباشرةً أنه يسيء إليها، قال بعض العلماء: إما أنها حيية والحياء خير، وإما أنها كريمة لا تريد أن تنتقص زوجها عند عمر، فالمهم أنه قال كعب ﵁: (يا أمير المؤمنين! إن الزوجة تشتكي زوجها، ولا تظنون أن عمر كان غافلًا، إنما كان عمر ذكيًا فطنًا، وإنما أراد أنه يصبِّر المرأة ويصرفها، وهذا دأب عمر، أنه دائمًا يدرأ بالشبهات، حتى لما جاء يشتكي الزبرقان من الحطيئة، فهذا منهج عمر دائمًا يوري ويبعد الناس عن المشاكل؛ لأنه كلما كان الناس يصطلحون فيما بينهم كلما كان ذلك أفضل، ولا يلجئهم دائمًا إلى الشكوى والفصل بينهم، وهذا منهج معروف في تدبير الناس، المقصود قال ل كعب: (أما وإنك قد فطنت لهما فلا يقضي بينهما إلا أنت)، فجيء بالرجل، فقالت المرأة: ألهى خليلي عن فراش مسجده وليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ما قالت: زوجي يفعل، أو زوجي الظالم، أو زوجي كذا، أين نساء اليوم؟ وأين ما يسمع من الشكاوى أمام القضاة من السب والشتم؟ والمرأة بمجرد أن ترى الإساءة أقامت الدنيا وأقعدتها، فما بقيت معيبة ولا منقصة إلا ذكرتها في بعلها، رحم الله الصالحات، الصلاح إذا دخل في المرأة رأيت خيرًا وسمعت خيرًا، فهذا من صلاح الرعيل الأول، ولذلك زكى النبي ﵌ القرن الأول: (خير القرون قرني)، أي والله خير قرن نساءً ورجالًا، شبابًا وشيبًا وأطفالًا، جعل الله فيه الخير، فانظر كيف أن المرأة ما تبادر حتى بالإساءة؟ ما قالت: زوجي يفعل كذا، إنما قالت: (ألهى خليلي عن فراش مسجده)، وذكرت محاسنه وفضائله (ليله نهاره ما يرقده، ولست في أمر النساء أحمده)، حتى لما يقال: لست أحمده في أمر النساء، قد يكون هذا نقص في الكمال، ولا يقتضي طعنًا، فقال زوجها: زهدني في فرشها ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول إني امرؤ قد رابني وجل أي رابني الخوف من الله، وذكرت الآخرة، وقرأت كتاب الله، فأقامني على الآخرة، حتى كأني أراها رأي عيان، فزهدتني النار وما فيها من الأغلال، وزهدتني الجنة وما فيها من النعيم في هذا المتاع الزائل والنعيم الحائل، فقال ﵁ وأرضاه: إن لها عليك حقًا يا رجل تصيبها في أربعٍ لمن عقل فالزم بذا ودع عنك العلل لابد من يومٍ في أربع، لا نقبل عذرًا، وليس من حقك، إن لها عليك حقًا يا رجل تصيبها في أربعٍ لمن عقل كن عاقلًا لبيبًا، هذه امرأة أمانةٌ في عنقك، حقٌ واجبٌ عليك، ولذلك قال: إنه يصيبها في كل أربع ليالٍ مرة، لأن الله جعل للحر أربع زوجات، فيكون نصيب الواحدة نصيبه من الأربع، ليلة من بين أربع ليالٍ، وقال بعض العلماء: لا يجب على الرجل أن يصيب امرأته، ويترك هذا إلى نشاطه وقوته، وإنما يتقيد بالأربعة الأشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر يكون آثمًا وظالمًا؛ لأنها مدة الإيلاء.
وفي الحقيقة القول الأول قوي، أنه في كل أربع ليالٍ مرة، لأن هذا له أصلٌ من الشرع، وتكون مدة الإيلاء غاية ما يُترك له الرجل في المعاشرة، بحيث يجوز للمرأة أن تشتكيه وأن تتظلم، خاصةً إذا حلف أنه لا يطأ المرأة، وهذا الوطء يُترك للإنسان بنشاطه، كما ذكر العلماء أنه لا يفرض على الرجل أن يُبالغ، ولكن ذكر أهل العلم أنه إذا وجدت الموانع في المرأة، كنقصان الجمال، ويكون الرجل مالًا لزوجته، أو غير مقبلٍ عليها، قالوا أنه أفضل ما يكون في حسن الإحسان إلى الزوجة في مثل هذا، لأن المرأة إذا كانت ناقصة الجمال، كانت إصابته لها أكثر ما تكون لله، وخوفًا من الله، وحفظًا لحق الله في أمة الله، فإذا أراها ذلك وحرص على حفظها من الحرام، فهذا من أبلغ ما يكون، أما إذا كانت ذات جمال، فإنه في هذه الحالة يكون فطريًا، لكن إذا كانت المرأة غير جميلة، كان بعض العلماء يقول: إن الإنسان يكره نفسه ويغالب نفسه حتى يعظم أجره، لأن النبي ﵌ قال: (وفي بضعِ امرأة أحدكم صدقة)، فأخبر ﵊: أنها من الصدقة، فالمرأة إذا كانت ناقصة الجمال وكان الرجل يرى فيها دمامة خلقة فعليه أن يتذكر ما فيها من الخير والبر، فالمرأة قد تكون ناقصة الجمال لكنها من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، وما يدري الرجل لو رزق امرأةً كاملة الجمال أو ذات جمال تخونه في فراشه، أو تضيع له عرضه، -والعياذ بالله- وتدنسه، وقد تكون المرأة الجميلة تنظر إلى زوجها بعين الاحتقار فترى أنها أولى بمن هو أجمل منه، ولكن المرأة ناقصة الجمال قد يعوِّضها الله في عقلها ودينها واستقامتها ما تحمد عليه، وكم من امرأة دميمة الخلقة ولكن الله ﷿ يعوض نقصها بالعقل، حتى كانوا يقولون: غالبًا أن ا
5 / 3