195

Fiqh al-sīra liʾl-Ghazālī

فقه السيرة للغزالي

Publisher

دار القلم

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٧ هـ

Publisher Location

دمشق

Genres

هذه حرارة الإيمان غمرت- بدفئها- الرجل، وجعلته ينفذ في كبد الليل البارد وكأنّه سهم مسدّد.
هذا الإيمان المرتكز على العواطف المتقدة، هو الذي أشعل المعارك الطاحنة، وقاد إلى النصر المظفّر، وهو الذي هدم ما تركّز قرونا طويلة من سلطان الظلم والبغي، بعد ما ظنّ أنه لن يطاح به أبدا.
وأساسه ما علمت، من تغلغل الإيمان في العقل والعاطفة معا، يغذو شجرته الباسقة مزيد من معرفة الله والشعور بعظمته ونعمته.
ذلكم أسلوب القران في تعريف الناس بالله؛ إنّه أسلوب يقيمهم على عبودية الحب والتفاني، لا على عبودية التحقير والهوان، عبودية الإعجاب بالعظمة، والإقرار بالإحسان، لا العبودية المبهمة التي تصادر الإرادة، وتزري بالإنسان.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرارًا وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهارًا وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزًا أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) [النمل] .
إنّ هذا التساؤل المتواصل السريع، يفتح على النفس افاقا بعيدة من الإيمان الذكي، ويجعلها تهرع إلى الله متجرّدة، تنفر من شوائب الشرك نفور الرجال الكبار من عبث الصبية.
وايات النظر والتفكير يدور- أغلبها- على هذا المحور الثابت.
وربّما احتاجت النفس- في ساعات غرورها- إلى لون من أدب القمع والتوعد يكبح جماحها، وهذا لا يتنافى- ألبتة- مع الأصل الذي قرّرناه انفا، فإنّ قسوة الأب مع ولده- حينا- لا تغيّر من طبيعة الحنان فيه.
والقران إذ يحرّك المواهب السامية في الإنسان- بعرض اثار القدرة العليا

1 / 206