ومعلوم أن حال المُلْزَم لا تخرج عن ذلك والله أعلم. ويزيد هذا
وضوحًا ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في الفائدة الخامسة عشرة من
الفوائد والإرشادات للمفتي إذ يقول (١):
(ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه أن يفتي
السائل بمذهبه الذي يقلده، وهو يعلم أن مذهب غيره في تلك المسألة
أرجح من مذهبه وأصح دليلًا، فتحمله الرياسة على أن يقتحم الفتوى بما
يغلب على ظنه أن الصواب في خلافه فيكون خائنًا لله ولرسوله وللسائل
وغاشًا له، والله لا يهدي كيد الخائنين، وحرم الجنة على من لقيه وهو
غاشٌ للإسلام وأهله، والدين النصيحة والغش مضاد للدين كمضادة
الكذب للصدق، والباطل للحق. وكثيرًا ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف
المذهب فلا يسعنا أن نفتي بخلاف ما نعتقده فنحكي المذهب الراجح
ونرجحه، ونقول: هذا هو الصواب. وهو أولى أن يؤخذ به وبالله التوفيق) .
انتهى.
٧- وفي حديث الصحيفة عند البخاري أن رجلًا قال لعلي رضي الله
عنه: هل ترك لكم نبيكم شيئًا غير القرآن، قال: " لا، إلا ما في هذه
الصحيفة أو فهمًا يعطيه الله رجلًا في كتابه " فكان في هذا الإلزام منع
لتجدد الفهم والاستنباط من كتاب الله، وأن من استبان له حكم من كتاب
الله فليس له حق التعويل عليه إذا خالف القول الملزم به.
٨- إن الحوادث متكاثرة والوقائع متجددة، فإذا وقع شيء من ذلك
لدى قاضٍ ما فإذا؟ هل يكون إرجاء الحكم حتى يلقن الحكم من لجنة
_________
(١) إعلام الموقعين ٤ / ١٧٧.