49

وإذا أردت أن تتعرف لون شعره، وإلى أي واد من أودية الكلام ينتسب، فارجع إلى أكثر ما يهتف به ويردده من شعر من قبله من الشعراء، وإنه في هذا الباب ليؤمن قبل كل شيء بالصنعة والديباجة ونسج الكلام، وما بعد هذا عنده ففضل. وهو يرى، ولقد يرى معه كثير، أن جلال الشعر وبهاءه ليسا في التعليق بدقائق المعاني وإن تزايلت من دونها الألفاظ، وأن أدق المعاني وأجلها لقد تقع للدهماء في حوارهم ومنازع كلامهم، أما إشراق الديباجة وفصاحة القول وتلاحم النسج ورصانة القافية فذلك الشعر. أليس يبهرك ويروعك ويشيع فيك كل الطرب قول البحتري مثلا:

ذاك وادي الأراك فاحبس قليلا

مقصرا في ملامة أو مطيلا

لم يكن يومنا طويلا بنعما

ن ولكن كان البكاء طويلا

وقوله:

وقفة بالعقيق نطرح ثقلا

من دموع بوقفة في العقيق

وقول الشاعر:

يا ليت ماء الفرات يخبرنا

Unknown page