Fikr Carabi Hafith
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
Genres
أفكار جان جاك روسو وفولتير مثلا. وكتاب «الاتفاق الجمهوري» الذي وضعه جان جاك مؤذنا «بوجوب المساواة هو الذي أدى إلى الفتنة العظمى المشهورة.»
27
ونرى مذهبا آخر يقول: «إن الفرد إنما هو صوت واحد ينطق باسم ملايين الناس الصامتين؛ فالرجل العظيم إنما هو عظيم بشعبه لا بنفسه؛ هو يستمد معظم قوته مما يحيط به من الأشياء والظروف والرجال.»
28
وقد سبق لنا في تعليق طويل في الفصل الذي عقدناه على مفكري الثورة الفرنسية في هذا الكتاب، أن أوضحنا رأينا في قيمة الفكر ودوره في الانقلابات، وقلنا ما خلاصته: «إن الفكر الثوري، السياسي الاجتماعي، إذا هو قاطع الدعائم المادية الجديدة التي تهيئها النشأة التاريخية المحدثة أو عدمها، لم يكن له وزنه في الثورات والنهضات؛ فجان جاك روسو اشترك في تهييء الثورة الفرنسية ولا ريب، ولكن اشتراكه في تهييئها كان ممكنا لأن فكره وافق مطامح الأمة الفرنسية، إذ ذاك، وصح أن يكون مرشدا وسلاحا نظريا لها في ثورتها. ومطامح الأمة الفرنسية، إذ ذاك، لم يوجدها روسو، ولكن التطور التاريخي الذي قوى الطبقة الثالثة
Tiers Etat
ودفعها إلى طليعة المجتمع نفوذا وأهمية هو الذي أوجد هذه المطامح، فعقلها جان جاك روسو وأحسها وعبر عنها، ونبه إليها، بل إن روسو نفسه لم يكن إلا ثمرة من ثمرات هذا التطور التاريخي، ومظهرا من مظاهر تلك المطامح التي تحركت بها أعماق الأمة الفرنسية إذ ذاك؛ فروسو لم يكن ممكنا في فرنسا في القرن السادس عشر مثلا.»
ولنقل: إن هذا الانقسام النظري لا يزال ظاهرا في تفكيرنا الحديث بين فريقين: فريق يؤمن «بعبقري» أو «نخبة مختارة» يفرضون أنفسهم وبرامجهم الإصلاحية على الأمة، وفريق يؤمن بأمة تناضل بجماهيرها نضالا يشاركها فيه أفذاذ الرجال، وتنجب في أثنائه الرجال الأفذاذ، وتعلمهم ويعلمونها، وتقودهم ويقودونها.
ولنقل أيضا: إن فريقا من أدبائنا ومفكرينا السابقين في مطلع النهضة أدركوا أنهم مهما سمت آراؤهم وطابت مقالاتهم لا يستطيعون وحدهم، كما لا يستطيع زعيم ولا تستطيع هيئة كالجيش مثلا، أن يحققوا انقلابا عميقا وإصلاحا راسخا في أمة لم تتيقظ صفوفها، وفي بلاد لم تقم فيها دعائم مادية لبناء الإصلاح.
هذا أديب إسحاق في فصله عن الثورة يتصور جماهير غربية (الأرجح أنها فرنسية) تثور وتنطلق في تيار الثورة، وينتهي الصخب والعنف باستقرار الحرية، وتثبيت الجامعة الوطنية، واستتباب وحدة الحقوق، وانتشار العمران والرخاء. ثم يتصور جماهير شرقية تأتي ما يأتيه الغربيون في ثوراتهم من صخب وعنف، ولكنها (أي الجماهير الشرقية) لا تنال بعض ما نال أولئك؛ والسبب هو أن الشرقيين - كما عرفهم - «لا يقاتلون عن أنفسهم، ولا نحسبهم على بينة مما يقصدون ... فهم في الثورة دعاة زعيم وعصاة زعيم ...» وظاهر من كلمات أديب إسحاق أن الثورة لا تنجع إلا إذا انبعثت من جماهير، جماهير «يقاتلون عن أنفسهم»، أي يطالبون بحقوقهم ويدافعون عن مصالحهم، وهم «على بينة مما يقصدون»، أي إنهم مدركون واعون، وليست حركتهم «دعوة لزعيم أو عصيانا لزعيم»؛ أي إنها غير قضية شخصية.
Unknown page