قال وهو يجلس: «لالالا.. إنما عنيت أنى آسف لأنى وقعت عليك».
قلت: «هذا أدهى.. أؤكد لك أنى لم أتعمد أن أكون فى طريقك».
فصاح بى: «يا أخى، لا.. ليس هذا ما أعنى.. ألا يمكن أن أقول شيئا لا تستطيع أن تؤوله على هذا النحو؟ إنما أعنى.»
فترفقت وقلت: «أعرف ما تعنى.. وأعرف أيضا أنك حمار.. والآن هات حديثا آخر».
وعرف أنى مقيم بالفندق، فدعانى إلى النزول ببيته فأبيت.. وشكرته فألح، فقلت له إنى هنا حر أفعل ما بدا لى ولا أتوخى إلا راحتى. وحريتى أعز على من أن أقبل ضيافتك الكريمة، فأبى فأصررت، ثم مضى وفى ظنى أن الأمر انتهى.. وإذا بى أعلم حين هممت بالعود إلى غرفتى لحاجة لى، أن الصديق حمل حقيبتى ومضى بها إلى بيته وترك لى مركبته، وأنه لم تبق لى فى الفندق غرفة.
وأوجز فأقول: إنى لم يسعنى إلا أن أذهب إلى البيت على فرط استثقالى لذلك، فإذا البيت شىء مهول وإذا هو بيتان فى الحقيقة.. واحد للرجال وآخر بعيد عنه للنساء، وبينهما بستان واسع وحديقة زهر فيحاء، وفضاء رحيب.. ألفيت أبناء صديقى يلعبون فيه - أو خيل إلى فى أول الأمر أنهم يلعبون - ولكنى لما دنوت منهم رأيت رجلا معروفا لم أرتح إلى وجهه ولم يعجبنى شارباه المفتولان وصلعته الناصعة، وكان قصيرا مثلى.. ولكنه أشد منى دمامة وأضيق عينا. وكان هذا الرجل يصيح بالغلمان وهو واقف لا يتحرك، فيحركون أيديهم أو أرجلهم وينثنون ويعتدلون ويستلقون على ظهورهم ويرفعون سيقانهم وأذرعهم، وكان صديقى واقفا يهز رأسه راضيا مرتاحا، فقلت له: «ما هذا الذى أرى؟ ومن هذا الرجل القبيح؟ ومن هؤلاء الصبية؟ هل نويت أن تقيم فى بيتك (سيرك)»؟
فقال وهو يضحك: «لالالا.. هؤلاء أبنائى».
فقلت مستغربا: «أبناؤك؟ ولماذا تترك هذا الرجل القبيح يمرغهم فى التراب»؟
فقال وهو يجرنى: «لا تصح هكذا لئلا يسمع.. إنه معلم الرياضة فى المدرسة.. يدرب الأولاد على الحركات الرياضية».
فقلت: «أولا يكفى تدريبه لهم فى المدرسة؟ مدهش.. أمن أجل أن الله رزقك مالا تروح تبعثره فى هذا الكلام الفارغ ليقال إنك متمدين»؟
Unknown page