وهذا صوت رجل يصيح: «لالالا.. هذا من حق لولو.. نعم فقد رأيت ما حدث.. البيك نقل الورق عن موضعه بكفه، وهو لا يدرى».
وها هى الفتاة تعود إلى الكلام مرة أخرى، وتقول: «مرسى يا حبيبى.. ميل مرسى».
فيقول الرجل الأول، هو بعينه بالتأكيد فإن الصوت واحد: «العفو.. لقد رأيت كل شىء، وإذا كنت تسمحين بأن أقدم إليك نصيحة رجل مجرب.. فنصيحتى أن تكفى عن اللعب، فإن مثل هذه الغلطة فى العادة تكون إيذانا بانتهاء حظ اللاعب».
لعب ... نصيحة ... حظ ... نساء ورجال ... ما معنى كل هذا يا ترى؟ فى هذا وقف الرجل المسكين يفكر. وكان يفكر فى شىء آخر هو هل يدخل فيعرف الحقيقة كائنة ما كانت أو يخرج ويدع ابنه لشأنه؟ ولكن كيف يستطيع أن يخرج ويدع ابنه.. وكيف يدخل ومعه نساء غريبات؟
ولم يكن هذا الأب الساذج هو الحائر الوحيد فى تلك اللحظة، فقد كان هناك رجل آخر من طراز غير طرازه وجد باب المطبخ مواربا.. فتسلل منه ودخل على أطراف أصابعه وفى مرجوه أن يخفف عن صاحب البيت - وعن نفسه أيضا - ولم يكد يبلغ باب الدهليز حتى صافح سمعه هذا اللغط الكثير المنبعث من غرفة الاستقبال ، ولم يكن كالآخر ساذجا فلم يلبث أن فطن إلى أن ههنا أناسا يقامرون، فسمرته الدهشة والحيرة، فقد كان يظن البيت خاليا فإذا هو عامر بل غاص بالخلق. وكان سبب حيرته أن وجود هؤلاء اللاعبين جميعا يجعل فرصة الغنم فى ليلته هذه أكبر، والورق أخف محملا وأخفى أمرا، وحامله أقل تعرضا للاعتقال، ولكن كثرة الموجودين تجعل تعرضه للوقوع فى المحذور أشد فماذا يصنع؟ أيأخذ بالأسلم فيعود من حيث جاء، أم يذعن للإغراء فيبقى؟ ولا سيما والأرجح أن القوم يشربون وبعد قليل يسكرون.. على أن الأمر خرج من يديه، فقد جاء اللبان فى هذه اللحظة ووقف بباب المطبخ كعادته، ورفع صوته بكلمة واحدة ولكنها طويلة ممطوطة «لبن» فريع الرجل ووثب ودار حول نفسه، فقال اللبان: «اللبن.. عايزين لبن الليلة»؟
فمشى إليه الرجل كالمضروب على أم رأسه، فعاد اللبان يسأله: «عايزين لبن والا إيه؟.. ما ترد».
فأفاق الرجل وأشار اليه، وقال: «هس.. هس».
فاستغرب اللبان وقال: «هس إيه.. عايزين لبن.. أنت مين قبله»؟
فألهم أن يقول: «أنا الخادم الجديد».
فقال اللبان: «طيب ما تقول كده من الصبح! عايز كام»؟ - واحدة.
Unknown page