أجاب حسن بوجه خال من التعبير: «الدولة الإسلامية يتمتع فيها الجميع بحرية التعبير. يؤكد التاريخ الإسلامي هذا بوضوح شديد؛ تمتع كل المواطنين في الماضي بحق مخاطبة إمام المجتمع الإسلامي أو قائد الأمة متى شاءوا؛ رجالا ونساء، مواطنين وغرباء، مسلمين وغير مسلمين، الدولة الإسلامية لا تفرق بين كل هؤلاء، هذا أساس ديننا، وليس مسألة سياسية. سيكون هذا جزءا من دستورنا لأن القرآن دستورنا. لماذا نستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟»
سألته عن شكل علاقتهم بالولايات المتحدة إن تسلموا زمام الحكم.
فأجاب: «ليس على الولايات المتحدة أن تتخوف من الإخوان المسلمين. الولايات المتحدة تدعو إلى المزيد من الحرية والديمقراطية، وتزعم أنها غزت العراق وأطاحت بصدام حسين باسم الديمقراطية، لكن العكس هو الصحيح؛ فهي تدعم طغاة العرب الذين يقمعون شعوبهم بقبضة من حديد ويحرمونهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان. التعذيب يمارس في سجوننا كما تدل على ذلك الكثير من الصور التي صدرت والكثير من الأدلة الأخرى.»
صحيح بالفعل، لكن إجابته حتى الآن لم تثر إلا القليل من التفاؤل بنشأة علاقات إيجابية بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة، فهو في الواقع وصف الولايات المتحدة بالنفاق، وبأنها سبب معاناة الشعوب العربية؛ فقلت له وماذا عن إجابة سؤالي: كيف ستكون علاقة الإخوان المسلمين بالولايات المتحدة؟
تمتم قائلا: «هذه بلادنا، وهي لنا؛ فلماذا تملي علينا الولايات المتحدة الأوامر عبر الطغاة الذين تستخدمهم؟ علينا أن نتمرس على أن نكون أفضل، وعلى أن نكون دولة ديمقراطية وإسلامية تحترم أيضا التقاليد الغربية، لكن لماذا لا نتمتع بثروات بلادنا الشاسعة؟ لماذا لا يسنح لنا أن نحيا في أمن وبكرامة.»
بدا لي أن الحصول على إجابة مباشرة من حسن أصعب من استخراج الماء من قلب الصخر. لكن ربما كان الأمر يستحق سؤاله سؤالا آخر. قلت له إن الكثيرين يرون أن جماعة الإخوان المسلمين تساعد مبارك لأنها تعطيه ورقة رابحة في تعاملاته مع واشنطن، فالأمريكيون شديدو التخوف من الحركات الإسلامية إلى حد أن مبارك يمكنه أن يتجاهل النقد الموجه إليه فيما يتصل بالجماعة، ويظل مستمرا في اعتماده على المساعدات المالية الضخمة التي تعد أساسا لتأييد نظامه. سألت حسن: ألا تزعجه هذه الحقيقة؟
سارع بتأييد قولي قائلا: «النظام الحاكم يستخدمنا لترهيب الولايات المتحدة.» ثم أطبق صامتا، فألححت في سؤاله قائلا: «ما شعورك حيال هذا التناقض؟» فسألني وقد انتقلت إليه حيرتي: «أي تناقض؟» فكررت له السؤال بمزيد من الوضوح، فأجاب: «سنوات حكم مبارك ليست إلا بضع قطرات في محيط عمر هذه الأمة. الاتحاد السوفييتي على سبيل المثال سقط وعمره سبعون عاما فقط. نحن موقنون من أن المستقبل لنا، وسنصادق أي دولة ترغب في مصادقتنا. نحن متحلون بالإيمان ونعلم أن لدينا مبرراتنا فيما ندعو إليه. أعتقد أن أي دولة غربية تفهمنا حقيقة ستؤيدنا، ولن تكون ضدنا مع الطرف الآخر. هذا لأن مبادئنا صالحة للتطبيق في كل مكان، ويقبلها الجميع، وهي تحقق السلام والأمن في كل أنحاء العالم وتجلب العدل والمساواة للجميع. إذا طبقت مبادئنا، فلن تكون هناك حروب أو مجاعات.»
خلص حسن في النهاية إلى أنه لا يهتم بما تدعيه الولايات المتحدة أو تفعله ضد الإخوان المسلمين، وقال بثقة: «نحن نعلم أن فلسفتنا وعقائد الشعوب الغربية ستتفقان. لا تنبع الإشكالية إلا من الحكام. يبدو أنهم في قرارة أنفسهم يضمرون الشر لنا ولشعبنا.» •••
كتب مؤرخ الشرق الأوسط إيلي كيدوري في مقال كلاسيكي بعنوان: «الشرق الأوسط والقوى» يقول: «إحدى أبسط الوسائل التي عرفتها البشرية وأفضلها للإبقاء على اتصالها بالواقع هي مقارنة أقوال المرء بأفعاله، أو مقارنة معتقداته بأدائه.» تحدث كيدوري عن الكيفية التي يسيء بها الغرب كثيرا تصوير العالم العربي لبعده عنه وقلة معرفته به، لكن هذه الوسيلة تكون مفيدة أيضا من الناحية العملية عندما ندرس أهداف جماعة الإخوان المسلمين، وأهداف حمدي حسن بوجه خاص.
في دورة 2000-2005 البرلمانية، صب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اهتمامهم الأكبر على تقييد حرية التعبير في ثلاثة مجالات هي الثقافة والإعلام والتعليم؛ وهذه السيطرة ضرورية لتحقيق أهداف أجندتهم الساعية إلى أسلمة المجتمع المصري من جذوره. لكن لا يسع المرء إلا الإعجاب باستراتيجيتهم رغما عنه. يستخدم الإخوان حيلة بارعة للفوز بقلوب وعقول العديد من الناخبين، تقوم على الجمع بين أجندة غامضة مفتوحة للتأويلات المختلفة تحظى بتأييد مختلف الجماعات، وتستند بوجه عام إلى المبادئ الإسلامية المتصلة بالأخلاقيات المتأصلة في المجتمع، وبين أجندة أخرى عملية تسلط الضوء على الثقافة. كان هجوم الإخوان الشرس على وزير الثقافة فاروق حسني - عندما زعم أن ارتداء الحجاب ينم عن رجعية - دليلا آخر على تواصل حملاتهم تلك على الصعيد الثقافي. فعلى أي حال، إذا أرادت المرأة أن تصون كرامتها وأن تلتزم بتقاليد الإسلام، أفلا يكون من حقها أن تفعل هذا؟ إن وصف ارتداء الحجاب بأنه دلالة على الرجعية ينتقص من قدر التقاليد ومن يتبعها بدلا من أن يحترمها. لكن حرية التعبير في منظور الإخوان المسلمين تتوقف عند هذا الحد. على سبيل المثال: ورد في صحيفة الأهرام أن كتاب «الإخوان في برلمان 2000-2005» - وهو كتاب يتناول بالتفصيل أداء ممثلي الجماعة الخمسة عشر في البرلمان في تلك الفترة - جاء فيه أن عضو البرلمان السابق من الجماعة جمال حشمت كان السبب في إجبار فاروق حسني على منع إصدار ثلاث روايات وصفتها الجماعة بأنها تروج للتجديف على الله وممارسات جنسية غير مقبولة. ووفقا لصحيفة الأهرام ويكلي، كشف الكتاب أيضا أن حمدي حسن تصدر بنفسه على الدوام حملات الإخوان المسلمين لإخماد حرية التعبير الثقافي سواء أعلى صعيد الأعمال الأدبية أم مسابقات ملكات الجمال، متخذا من حجة التجديف على الله سلاحا. وهو يتهم فاروق حسني شخصيا بتصدر «الحرب التي تقودها الولايات المتحدة حاليا ضد الثقافة والهوية الإسلامية». يظهر أيضا الكتاب أن إجمالي عدد القضايا المتصلة بالثقافة والإعلام يساوي 80٪ من مجموع القضايا التي طرحها أعضاء الجماعة في دورة 2000-2005 البرلمانية.
Unknown page