Fī adab Miṣr al-Fāṭimiyya
في أدب مصر الفاطمية
Genres
ومعنى هذا أن الفاطميين كانوا يعطون الشعراء في أيام المواسم والأعياد رواتب خاصة غير ما كان يعطى لهم شهريا. ويحدثنا المقريزي مرة أخرى في كلامه عن بركة الحبش أنه كان بها طاقات، وعليها صور الشعراء، كل شاعر واسمه وبلده، وعلى جانب كل من هذه الطاقات قطعة من القماش كتب عليها قطعة من شعر الشاعر في المدح، وعلى الجانب الآخر رف لطيف مذهب، وأن الخليفة الآمر بأحكام الله لما دخل هناك وقرأ الأشعار، أمر أن توضع على كل رف صرة مختومة فيها خمسون دينارا، وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرته بيده.
13
فلا أكاد أعرف دولة من الدول الإسلامية أقامت للشعراء هذا التمجيد بأن يضعوا صورة كل شاعر مع اسمه وبلده في طاقات في متنزهات عامة، مما يدل دلالة قاطعة على تمجيد لفن الشعر والشعراء، فأين نحن الآن من مصر في العصر الفاطمي؟!
ويذكر العماد في الخريدة أن الفاطميين جعلوا من وظائف الدولة وظيفة «مقدم الشعراء»، ويذكر أن مقدم الشعراء في عهد الأفضل بن بدر الجمالي هو الملقب بمسعود الدولة المعروف بابن حريز.
14
وكانت سيدات قصر الإمامة الفاطمية يغدقن الأموال على الشعراء كلما سمعن منهم شعرا جيدا في مدح الأئمة، ويحدثنا عمارة اليمني أنه بعد أن أنشد قصيدته الأولى في مصر أخرجت له السيدة الشريفة بنت الإمام الحافظ خمسمائة دينار.
15
وهكذا نرى الفاطميين يولون الشعر والشعراء عنايتهم؛ لأن الشعراء لسان من ألسن تمجيدهم والذود عنهم أمام أعداء كثيرين أقوياء، فإغداق النعم الفاطمية على الشعراء كان من أشد الأسباب التي جعلت الشعراء يحرصون على إتقان الشعر مع الإكثار من الإنشاد، فكثر الشعراء وكثر إنتاجهم، واستغل الفاطميون هؤلاء الشعراء في رفع شأن دولتهم وخلفائهم، حتى في القسم الأخير من العصر الفاطمي الذي ضعف فيه الأئمة، واستبد الوزراء بالملك، فقد طلب إلى الشاعر أبي عبد الله مسلم أن ينظم «السيرة المصرية»، وجعلوا له خمسة دنانير كل شهر على ذلك، فسأل أن يجري له شيء على الشعر مثل غيره من الشعراء، فزيد نصف دينار، فهجاه الشاعر مجير بن محمد الصقلي المتوفى حوالي سنة 540ه بقوله:
جرى الحديث فقالوا كل ذي أدب
أضحت له خمسة تجري بمقدار
Unknown page