وترى بالعدد الأول من "التنكيت والتبكيت" مقالا آخر بعنوان: "عربي تفرنج" وهي قصة شاب من صميم الريف, أبوه فلاح مسكين، لم يستطع أن يعلمه، بل تركه جاهلا يساعده في حقله ويأكل البصل، ولا يرى اللحم إلا في العيد، ثم مر # به أحد التجار, فأغراه على أن يدفع به إلى المدرسة، ولما أتم تعليمه بمصر أرسل إلى أوربا, وعاد إلى بلاده متنكرا لأهله، مستقبحا عادات قومه، مهجنا طريقتهم في التحية، ومستفهما بقحة عن اسم البصل الذي أكله؛ لأنه نسي الاسم العربي، ولم يعد يتذكر إلا الاسم الفرنسي1, ولما شكى أبوه إلى أحد النابهين قال له: "ولدك لم يتهذب صغيرا, ولا تعلم حقوق وطنه، ولا عرف حق لغته، ولا قدر شرف أمته، ولا ثمرة الحرص على عوائد أهله, ولا مزية الوطنية، فهو وإن كان تعلم علوما إلا أنها لا تفيد وطنه".
وهذا داء استشرى في مصر بعد النديم، وحاكى كثير ممن درسوا في بلاد الغرب أوربا في كل شيء, حتى هجنت عاداتنا وتقاليدنا، وفقد شبابنا كثير من مقومات الوطنية الصادقة، وإن كانت هذه الفتنة قد ابتدأت تخف وتتنبه الأمة إلى التمسك بلغتها وعاداتها ومزاياها، وتعتز بها.
Page 324