ولو عاش النديم -مع تجربته هذه التي قلما تتاح لأديب، ومع ذوقه المرهف, ومواهبه العديدة, وقدرته على التعبير- في عصرنا هذا، وعرف ألوان الأدب، وفنونه، واطلع على طريقة الغرب وأساليبه من قصة ومسرحية، وأفكار، لكان # أديبا عالميا ممتازا, تفاخر كل أمة بانتسابه إليها، ولكنه كان متعلقا إلى حد كبير بأذيال الماضين؛ يكتب بأسلوب مقيد بصنوف عديدة من الأغلال، ولم تكن كنوز المعاني قد حطمت أغلالها, ولا ألوان الأدب الغربي العديدة قد عرفت ودرست, ومع ذلك فالنديم يعد في الطليعة من رواد الأدب الحديث.
أما آثاره: فيحدثنا أحمد سمير مترجم حياته، بأن النديم "لما كان في يافا أول مرة بعث إلي محررا يكلفني به أن أطلب ديوان شعره الصغير من صديقه المرحوم عبد العزيز حافظ, فلما قصدته وجدته مصابا في قواه العقلية بما لم يدع للطلب مجالا, ثم كتب إلي كتابا ثانيا بأن ديوانه الأوسط عند "م.ن" فطلبته منه، فاعتذار بأنه ضاع، فلما أنبأت المترجم بذلك أرسل إلي في مكتوبه الثالث أنه إنما طلبهما لحيقرهما براءة منهما ومن أمثالهما؛ لأنه فيها هجوا كثيرا، وختم المكتوب بهذه العبارة: "قد خلعت تلك الثياب الدنسة، ولبست ثوب {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} .
وهذه قصة تذكرنا بما كان من الشيخ علي الليثي من قبل, وبمكانة الشعر عند هؤلاء القوم، وفي الواقع أنه لم يكن شعرا بالمعنى الذي نعرفه اليوم، ولكنه كان -كما ذكرنا من قبل- نظما تظهر به المقدرة على التعبير والمهارة اللسانية، وتصريف الكلام, وسنرى نماذج من هذا الشعر فيما بعد، وقد بقي لنا قليل ينبيئ عن نوع هذه الدواوين التي لم يعثر عليها.
1- أما نثره: فقد كتب مقالات شتى في "التنكيت والتبكيت"، وقد وعدنا بالرجوع إليها لننظر في موضوعاتها وقميتها، وحسبنا أن نتصفح العدد الأول منها؛ وقد حرره النديم بقلمه, فنجد مقالات شتى تمس حياة الأمة وتعالج مشكلاتها.
Page 322