259

Fi Adab Hadith

في الأدب الحديث

Genres

"مولاي. إن نسبتك إلى هوادة في الحق وأنت -تقدست جبلتك- فطرت عليه، وتخوض الغمرات إليه، فقد بعت يقيني بالشك، وإن توهمت فيك حيدانا عن الرشد, وجورا عن القصد, وأنا موقن أنك ما زلت على السداد غير مفرط في الحق ولا مفرط، فقد استبدلت علمي بالجهل, ولو قلت: إنك من الذين تأخذهم في الحق لومة لائم، وتصدهم عن الصدق خشية ظالم، وأنت تصدع به غير وان ولا ضجر، ولو ألب الباطل الكوراث المردية، وأرى عليك الخطوب الموبقة لكذبت نفسي وكذبني من يسمع مقالتي؛ لأن العالم والجاهل، والفطن والغبي كلهم قد أجمعوا على طهارة سجيتك, ونقاوة سريرتك, واتفقوا على أن الفضائل حيث أنت، والحق معك أينما كنت, لا تفارق المكارم ولو اضطررت، وأنت مجبول على الخير لا # يحوم حولك شر أبدا، ولا تصدر عنك نقيصة قصدا، ولا تهن في قضاء حق, ولا تني عن شهادة صدق، ومع هذا وهذا وذاك, أنك مع علمك بواقع أمري، وعرفانك بسريرتي وسري، أراك ماذدت عن حق كان واجبا عليك حمايته، ولا صنت عهدا كانت عليك رعايته, وكتمت الشهادة، وأنت تعلم أني ما أضمرت للخديو ولا للمصريين شرا، ولا أسررت لأحد في خفيات ضميري ضرا، وتركتني وأنياب النذل اللئيم "فلان" حتى نهشني السبع الهرم والعظام، ضغينة منه على السيد إبراهيم اللقاني، وإغراء من أعدائي أحزاب "فلان".

ما هكذا الظن بك, ولا المعروف من رشدك وسدادك, ولا يطاوعني لساني -وإن كان قلبي مذعنا بعظم منزلتك في الفضائل، ومقرا بشرف مقامك في الكمالات- أن أقول عفا الله عما سلف، إلا أن تصدع بالحق، وتقيم الصدق، وتظهر الشهادة؛ إزاحة للشبهة وإدحاضا للباطل، وإخزاء للشر وأهله، وأظنك قد فعلت أداء لفريضة الحق والعدل. ثم إني يا مولاي أذهب إلى لندن ومنها إلى باريس مسلما، وداعيا لكم، والسلام عليكم وعلى أخي الفاضل البار أمين بك".

8 صفر سنة 1300 جمال الدين الأفغاني.# 2-

الشيخ محمد عبده

:

وإذا كان جمال الدين قد أبعدته ظروفه القاسية، وجنود الغدر والاستعمار عن مصر وهي أحوج ما تكون إليه، فقد ظلت بها روحه الوثابة، ومصر في ذياك الوقت قلب الإسلام النابض، وأمل العروبة الغض؛ لأن تركيا -وهي مقر الخلافة- كانت عجوزا مشولة الأطراف، جافة الفؤاد يابسة العود، وتعتلج في أحشائها الوساوس والدسائس، ويسيطر عليها خلفاء شبعوا من اللذائذ المادية حتى بشموا، وانغمسوا في حمأة الشهوات حتى شرقوا، والشام قد هجرها المستنيرون الأحرار، واستوطنوا مصر هربا بنفوسهم الأبية أن يذلها الظلم، ويجرحها الحيف والاضطهاد, وبقية أقطار العروبة في سبات عميق، أو يقظة قريبة من الوسن، قد أعدتها تركيا بأدوائها، فهي تترنح تحت فكتات الأمراض الاجتماعية وآلامها المبرحة, وتكاد تسلم الروح إعياء وهزالا.

Page 280