وهناك، خبر يبهجك كثيرا، وقد لا يدهشك بقدر ما أظن، ذكرت جنيف، والذكر ذو شجون، فإننا لنذكرك فيها مجاهدا، ونذكرك في سويسرا مستشفيا، ونذكرك في يومك الأخير، وقد نضوت عنك ثوب هذه الحياة الفانية، وكنا نتوق دائما إلى أخبارك، وأنت هناك، في شتى أحوالك، ولا نأمنها، ومضارها صحافة أوروبية تلونت أغراضها والتوت. فلولا الأمير شكيب هناك في منفاه، لفاتنا الكثير من أخبارك المهمة التي فيها للعرب العبرة والذكرى. لولا الأمير شكيب - صوت العرب المدوي، وعقل العرب الأفهم - في هذا الزمان، لما علم العربي بما كان من جهادك واستشهادك في آخر أيامك.
1
أما الخبر المبهج الذي أشرت إليه، فهو يتعلق بفتنة الآشوريين، تلك الفتنة التي قطعت عليك ذلك الاستشفاء، وعجلت بأجلك؛ فقد انتصر العراق في جنيف، انتصر في القضية التي أثارت عليك وعلى العراق ثائرة الصحف الأوروبية الاستعمارية، وتلك الصحف نفسها، التي حملت عليك باسم الإنسانية والدين، ولها في الدين والإنسانية أغراض لا تخفى على الناس، ذكرتك بالخير بعد وفاتك، بل اعترفت بفضلك وعبقريتك.
وفي دفاع العراق لدى عصبة الأمم في مسألة الآشوريين، أظهرت حكومة العراق حصافة ومقدرة في سياستها، وعدلا وصدقا في إدارتها، في الكتاب الأزرق الذي صدرته، وفي دفاع وفدها لدى العصبة هناك. إن ذلك الدفاع ليبهجك حقا، وليزيد بحبك لثلاثة من رجالات العراق، لياسين ونوري ورستم، فتباركهم من عليائك، وقد أثبتوا للملأ ما كنت مستعدا أنت لتثبته
2
فعينت العصبة لجنة للاهتمام بإسكان الآشوريين هؤلاء خارج العراق.
بقي الخبر الذي يبهجك، ولا غرو، أشد الإبهاج أجعله مسك الختام. هو يتعلق بمن كان بالأمس قرة عينك، وهو اليوم قرة عين العراق. إن الآمال بالغازي كبيرة، وقد برهن حتى الآن في موقفين على ما فيه من نجابة وشجاعة وإقدام. فأثنى عليه الوفود الذين حضروا حفلة الأربعين ببغداد، وأعجبوا به كل الإعجاب. وعندما وقف على المنبر مكان سعيد الذكر والده ليفتح البرلمان كبرت قلوب الناس به واهتزت لخطابه، وعندما وصل فيه إلى الكلمة «سنظل سائرين إلى الأمام.» وقالها بصوت الزعيم المقدام، وهو يضرب المنصة بيده؛ هتف النواب «عاش الغازي!» وصفق له استحسانا جميع الحاضرين، وفيهم النساء الأوروبيات وسفراء الدول وقناصلها.
وقد قال الغازي إلى كل من حدثه إنه سيحذو حذو الوالد العظيم، ويهتدي بنور هداه، وفقه الله.
آمين.
حاشية:
Unknown page