Faylasuf Carab Wa Mucallim Thani
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
Genres
18
أيضا أن الرشيد اتهم هرثمة فوجه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى مرو ومعه عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وأسد بن يزيد بن مزيد، والعباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث إلخ.
وأما شريك القاضي فيروى عن حزمه وعدله قصص كثيرة، فمن ذلك ما رواه عمر بن هياج بن سعد قال: أتت امرأة يوما شريك بن عبد الله قاضي الكوفة وهو في مجلس الحكم فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي، قال: من ظلمك؟ قالت: الأمير موسى بن عيسى ابن عم أمير المؤمنين، كان لي بستان على شاطئ الفرات، فيه نخل ورثته عن أبي وقاسمت إخوتي، وبنيت بيني وبينهم حائطا، وجعلت فيه رجلا فارسيا يحفظ النخل ويقوم به، فاشترى الأمير موسى بن عيسى من جميع إخوتي، وساومني ورغبني فلم أبعه، فلما كان هذه الليلة بعث بخمسمائة غلام وفاعل فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعلم من نخلي شيئا واختلط بنخل إخوتي، فقال: يا غلام أحضر طينة، فأحضر، فختمها وقال: امض إلى بابه حتى يحضر معك، فجاءت المرأة بالطينة المختومة فأخذها الحاجب ودخل على موسى فقال: قد أعدى القاضي عليك وهذا ختمه، فقال: ادع لي صاحب الشرطة فدعا به، فقال: امض إلى شريك وقل: يا سبحان الله ما رأيت أعجب من أمرك، امرأة ادعت دعوى لم تصح أعديتها علي، فقال صاحب الشرطة: إن رأى الأمير أن يعفيني من ذلك، فقال: امض ويلك، فخرج وقال لغلمانه: اذهبوا واحملوا إلى حبس القاضي بساطا وفراشا وما تدعو الحاجة إليه، ثم مضى إلى شريك، فلما وقف بين يديه أدى الرسالة، فقال لغلام المجلس: خذ بيده فضعه في الحبس، فقال صاحب الشرطة: والله قد علمت أنك تحبسني فقدمت ما أحتاج إليه إلى الحبس ...
19
وشريك هذا هو أبو عبد الله: تولى القضاء بالكوفة أيام المهدي ثم عزله موسى الهادي، وتولى القضاء بعد ذلك بالأهواز، توفي بالكوفة سنة 177 أو 178ه وكان هارون الرشيد بالحيرة فقصده ليصلي عليه فوجدهم قد صلوا عليه فرجع.
جرى بينه وبين مصعب بن عبد الله الزبيري كلام بحضرة المهدي، فقال له مصعب: أنت تنتقص أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فقال القاضي شريك: والله ما انتقص جدك وهو دونهما. ودخل يوما على المهدي فقال له: لا بد أن تجيبني إلى خصلة من ثلاث خصال، قال: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: إما أن تلي القضاء أو تحدث ولدي وتعلمه، أو تأكل عندي أكلة؛ وذلك قبل أن يلي القضاء، فأفكر ساعة ثم قال: لأكلة أخفها على نفسي.
فأجلسه وتقدم إلى الطباخ أن يصلح له ألوانا من المخ المعقود بالسكر الطبرزد والعسل وغير ذلك، فعمل ذلك وقدمه إليه، فأكل فلما فرغ من الأكلة قال له الطباخ: والله يا أمير المؤمنين ليس يفلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبدا.
قال الفضل بن الربيع: فحدثهم والله شريك بعد ذلك، وعلم أولادهم، وولي القضاء لهم.
وقد كتب له برزقه على الصيرفي فضايقه النقد، فقال له الصيرفي: إنك لم تبع به بزا. فقال له شريك: بل والله بعت به أكثر من البز، بعت به ديني.
وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي المتوفى سنة 463: «قال عبد الله بن مصعب: حضرت شريكا في مجلس أبي عبيد الله، وعنده الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والجريري (وهو رجل من ولد جرير كان خطيبا للسلطان)، فقال شريك: حدثنا أبو إسحاق ... عن عمر بن الخطاب قال: إنا كنا نأكل لحوم هذه ونشرب عليها النبيذ ليقطعها في أجوافنا وبطوننا، فقال الحسن بن زيد: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق، فقال شريك: أجل والله ما سمعت، شغلك عن ذلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس.»
Unknown page