باجتناب القتل ودَفْع المُكْرِه عن نَفْسه، وأنه آثِمٌ بِقَتْل مَن أُكْرِه على قَتْله) (^١).
وذلك يدل على أنه مُكَلَّفٌ حال الإكراه.
وكذلك صَرَّح به الغزالي وغَيْرُه، واقتضى كلامهم تخصيص الخلاف بما إذَا وافق داعيةَ الشرع كالإكراه على قَتْل الكافر وإكراهه على الإسلام، أمَّا ما خالف فيه داعِيةُ الإكراه داعِيةَ الشرع (كالإكراه على القتل) فلا خِلَاف في جواز التكليف به.
إذَا عَلِمْتَ ذلك، عَلِمْتَ سقوط السؤال مِن أصله والاستغناء عن الجواب.
نَعَم، هذا كُله كلام الأصوليين، أمَّا الفقهاء فاضطرب جوابهم في المُكْرَه في مسائل بِحَسب الأدلة.
فَمَرَّة قطعوا بما يناسب عدم تكليفه، كقَطْعهم بأنه لا يصح مِن المكرَه عَقْدٌ ولا حلٌّ في بيعٍ ولا طلاقٍ ولا عتقٍ، إلى غَيْر ذلك من المنجزات، وكذلك التلفظ بكلمة الكفر والقلب مطمئن بالإيمان، وكذلك إباحة شرب الخمر والإفطار وإتلاف المال ونحو ذلك، لقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦]، ولِمَا سبق مِن حديث: "وما استكرهوا عليه"، [وأنه] (^٢) يُغْنِي عنه قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥].
ومَرَّة قطعوا بما يوافق تكليفه، وذلك فيما إذَا كان الإكراه بِحَقٍّ، كإكراه الحَرْبي والمُرْتَد على الإسلام، وإكراه الإمامِ بَعْضَ المكلَّفين بِفَرْض الكفاية، وإكراه القاضي المَدْيون على الوفاء عند القدرة، ونحو ذلك.
ومَرَّة رَجَّحوا إسقاط أَثَر الإكراه على وَفْق منع تكليفه، كما لو أُكْرِه الصائم على أنْ
(^١) شرح اللمع (١/ ٢٧٢).
(^٢) كذا في (ز)، لكن في (ص): فإنه.